- بعض من الشخصيات تجبرك على أن تتوقف عندها، وترز أقدامك، لا تجعلك تمر هكذا سُراعاً، تاركاً إياها خلفك مثل تمثال برونزي شاهد على حكاية مدينته، شخصيات مرات تقول: إنها من نسيج التاريخ أو هي من معترك الوقت أو هي مُعدة لأن تكون بدء الحكاية أو نهايتها أو هي الحكاية من مبتداها لمنتهاها.. أيمن زيدان هو واحد من تلك الشخصيات التي لا تجعلك تغفل إلا لتتذكر حضورها الطاغي مثل سحابة مثقلة بالكثير فوق الرأس أو مثل ريح لعوب مشاغبة لا تحب أن تجعلك تشعر أنك وحدك فقط على تلك الأرض المتهادية.
- هو بطل تراجيدي من تلك المآسي الإغريقية الشاخصة على تلك الأحجار العظيمة، والآثار التي خَطت وقتها، وسيرورة حكاياتها على الحجر الصَّم، لا يمكن أن يكون من زمن الزيف، وزمن الانكسارات، وزمن تكهين الرجولة، وفقد النُبل، بعض الكبار عظامهم قُدّت من فولاذ وحديد، وكأنهم ورعود الزمن سواء.. إن صهلوا وقالوا: لا..! في زمن الـ «نعم»، جاوبتهم أضلع وأفئدة، وسيوف مغمدة.
- جميل أن تلتقي مرة.. ولا تكفي، بأيمن زيدان في حواري دمشق، وتكون فيوض المعرفة عكازتك وسجادتك ومسبحتك، تزفكما ظلال من خير وبركة وروائح ياسمين، تتبعان كشيخ قَرُبَ من منزلة القطب، ودرويش فان متفانٍ في دروب سلكها قبلكما المتصوفون وأتباع المعرفة وحب الحكمة، وذلك الرضا الذي ينير دروب تلك المدينة المتدثرة بالحشمة، والنعيم الفردوسي الذي يسكن الأرض.
- أيمن زيدان تتمنى أن تلتقي به أيضاً في مدن الله الحاضرة، باريس، روما أثينا، مراكش مثلاً، ولا تجعله يفلت من يدك، إلا لتتبعه نحو ياسمينة تتسلق ذلك الجدار الطيني أو لتنام وهي تتبع ظل شمس حاول أن يغيب، ولا يتركها وحيدة أو لتجرّه عنوة إلى خاصرة طرقات معشبة بآثار أقدام المصلين المسبحين أو الشعراء المدّاحين أو صعاليك المدن، عشاق الليل ونشوة العنب، وزجر إناث الأيائل، وعول الغاب، سنوات الجمر، وأشجار سكنت تحتها نشوة اشتهاءات رائحة المطر.
- أيمن.. كم أنت جميل في تلك الليالي حين تتوحد بأشيائك! لا تريد بخساً ولا رهقاً، ولا تريد وجعاً ولا عتباً، أنت ضالة شبح زمنك، وموطئ قدمك، تسير يتبعك هودج من سكنت رأسك، ومن توسدت أضلعك، ومن قالت لك هيت لك، ومن نذرتَ لها دمعك ليتها تستحقه، ومن خاطت نسيج ليلك بخيوط فجرك، ومن أيقظتك أن هناك مؤذناً يصدح بلحن خُلَبيّ، لا تمل الأذن من سمعه وترديده ونشره مع نسائم فجر من حلب التي يعنّ لها اللحن والوجع.
- أيمن زيدان عملاق، هكذا هو قدرك، كشخصية هاربة من الطروس والقراطيس، حينما ارتضيت لنفسك أن تكون مغايراً متفرداً ومختلفاً، وحين قلت أنا أيمن، تيامنت الجهات والقبل، وتعاسرت نفاثات العقد، أيمن والخير يماني، أيمن وإن خانت تلك العربيات الأماني، قدرك أيها العزيز، عزيز الشام أن تبقى حارساً لتلك المدينة التي نحتت من أضلعك، ويغشاها دمع تعبك، ورويت من حكايات أهلك وومض نار سهرك، وركوة قهوتك، مثلك مثل كثير من أصدقائك عشاق وحرّاس المدن الذين تذكر، تماماً كما تعاهدنا مرة في نهار ذلك المطعم المكسيكي أن حراس المدن لا يموتون، وإن غابت الأجساد بقي الذكر، وبقي الوله، وبقي المريدون، أولئك تُباع الليالي وخطى الدراويش في مسلك دروبهم، ونهج حبهم حين يبتغون ولا يتعبون.
- لن أذكر، ولن أعدد من فجع قلبك، وشطر روحك، وقال لك: إن للوداع معنى واحداً! وحدك تذكر وتتذكر، لأن مثلك يا أيمن زيدان، قدره.. هو والحزن جيران.