هرمت نابولي جوهرة إيطاليا المنسية، حتى رأت القمر يضحك لها، وشمس «الكالشيو» ترسل أشعتها على مدينة القباب والمتاحف و«العيون النقية». كان لا بد أن يصل «الفاتح الأكبر» الأسطورة دييجو أرماندو مارادونا، لمدينة العراقة التي تبلغ من العمر 28 قرناً، لكي يبعث في النفوس المتعبة بالانتظار أملاً، لكي يجعل زرقة المتوسط تأتلق في المدى، ويغتسل برذاذها «الكالشيو». جعل مارادونا نابولي لؤلؤة الجنوب الإيطالي، ُترَصِّع أخيراً مهمة إيطاليا الرشيقة، لقد أهدى دييجو لمدينة الجمال والفوضى لقب «السكوديتو» الأول سنة 1987، ثم رفعها إلى «هام السحاب»، وأهداها كأس الاتحاد الأوروبي سنة 1989، وأردف ذلك بلقب «سكوديتو» ثانٍ سنة 1990، ليكتمل عقد السنوات الثالث الجميل، ويستقر الرجل في الوجدان، إنه ينذر بالفعل أن ترى مارادونا خارج عالم الخيال. 
رحل مارادونا عن نابولي، كما ترحل الأساطير، وظل النابوليون يترقبون عودة الأسطورة، وطال بهم الانتظار، إلى أن تملكهم اليأس، ومارادونا في النهاية واحد، غير قابل للاستنساخ. بكت نابولي بحرقة موت الأسطورة، وبكت زمنه المخملي الساحر، ومن عتمة الألم، طلعت «كثلة المحار» مثل شقائق النعمان، لتبحث في عبقريتها عن نزق الألوان، وهذه المدينة الثورية عاشقة لرسم أحلامها على الجدران.
بعد مركزها الثالث الموسم الماضي في «الكالشيو»، والذي أعادها إلى مسرح الأبطال، وجدت نابولي نفسها مرغمة على ترك نجوم كبار عنها يرحلون «كوليبالي، إينسيني وميرتينس»، فما لها قدرة على منافسة الأندية من ذوي الأرصدة المنتفخة، ومع هذا الرحيل المبرمج، ما دب اليأس أبداً من قدرة الفريق على إيجاد البدائل، وهنا تبرز عبقرية المدير الرياضي ديفيد جيونتولي، حيث سيجهز انتدابات لم يلتفت إليها أي أحد، لكن على قيمتها المالية البسيطة، كانت للمدرب سباليتي التوابل التي ستعطي في النهاية «طبخة» تاريخية، ومع تعاقب الفصول في موسم «الكالشيو» العاصف، سينجح نابولي في إيقاظ أحلام المدينة النائمة، وما بدا أنه مجرد رجع صدى لزمن مضى ولن يعود، سيظهر للعيان بصورة هلامية، ونابولي يمسك بالمقود، ويبحر على طريقته، متحدياً الحيتان الضخمة، إلى أن جاءت المباراة أمام ساليرنيتانا، وكان نابولي يلعبها بميدانه أملاً في الاحتفال المبكر بـ «السكوديتو» العائد إليه بعد غياب دام 33 سنة. تقدم نابولي بهدف، لكن ساليرنيتانا أدرك التعادل، وما كانت تلك النقطة كافية لوضع الرجلين في «البوديوم»، إذ وجب البحث عن نقطة أخرى، على بُعد 580 كيلومتراً، هناك بمدينة أودينيزي، وهو ما سيحدث، يتقدم أودنيزي بهدف، لكن الجوهرة النيجيرية أوسيمين أحد أكبر مفاجآت «الكالشيو» الإيطالي هذا الموسم، ومتصدر ترتيب الهدافين، سيوقع هدف التعادل الذي يعلن رسمياً «الأزوري» بطلاً لإيطاليا للمرة الثالثة في تاريخه، ويحكم منذ ذاك اليوم على نابولي بأن لا تنام، وكيف تنام وعيونها في السماء تغازل الأحلام.