كلما زرت معرضاً من معارض الكتاب أو دخلت مكتبة من المكتبات التي تميل للقرطاسية أكثر من ميلها لمتون الكتب، وتفضل البائعة الفلبينية المبتلة الشعر دوماً على ذلك الورّاق الذي أكل عليه الدهر وشرب، بنظارته الشاحبة، وكله «رأس» يقظ، أسحب قدمي إلى أجنحة فيها تبيع وَهَم السعادة والنجاح وتحفيز الذات والشفافية، من تأليف وتوليف كتّاب من مراهقي «الأدب»، في تلك الأجنحة ذات الكتب المغلفة بالبلاستيك الشفاف، ستجد ازدحاماً غير عادي، وكمّاً هائلاً من الكتب والكتّاب يتحدثون عن الحكمة والسعادة والتأمل والطاقة الإيجابية واستنهاض القوى الكامنة داخل الإنسان، والنيرفانا، والهيولى، ومصطلحات يابانية وصينية ستعتقد للوهلة الأولى أنها نوع من وجبات الأكل الصيني، فإذا بها ضد الأكل، لا اعتراض على مثل هذه الكتب التي تنحو منحى الكتاب الكلاسيكي، «دع القلق، وابدأ الحياة»، الاعتراض على الكتّاب، وألقابهم، وما يقدمون من محتوى لا يتعدى «تغريدات» و«اقتباسات» من كتب أجنبية، و«سرقات» من الشبكة الإلكترونية من أقوال العظماء والمشاهير، يعني الواحد بعده ما طرّ شنبه ويسوي لك كتاباً عن «كيف تخطط للحياة، وتحقق السعادة»، شو خبرة هذا الشاب الذي لم يبلغ الحلم بعد؟ «بوذا» كان يقول: هل تعبت في طلب المعرفة؟ وصاحبنا رأسماله شماغ مكوي مثل منقاب الطير، ومحدد اللحية الخفيفة، ويحمل لقب الباحث في مكامن النفس البشرية، ومفاتيح أسرارها، وهو حدّه في الحياة إما «بيّاع مسابيح أو يشتغل في دكان مفاتيح وقفول» لا أزّيد، لا ويخْبّ عليه بعد!
بعض هؤلاء الذين يصورون وهم مبتسمين للحياة، ولا ثمة تغضنات بعد جراء مجالدة شظف العيش، تتصدر صورة المؤلف الشاب غلاف الكتاب الوردي ذي الطبيعة الأنثوية، وكأنها مرسال للمخاطبات، يحمل عنواناً تجارياً، وستطبع منه طبعات عدة، ولو من باب الفضول النسوي، «29 طريقة لكي تصبحي أجمل»، قال المؤلف الشاب حقّاني، يعني ما وصّلها الثلاثين، وكلها ماء فاتر، وليمون أخضر على الريق، وأفكادو على العينين، والاسترخاء والنوم 8 ساعات وبعمق، وفي الصباح مارسي الرياضة في الهواء الطلق، واحرصي على الماء المغلي قدر أبريق، مع ورقتين من البابونج أو «فنخين» من السفرجل أو الأترنج، ومن هالخريط، المشكلة كيف يأتي النوم العميق بساعاته الثماني كل ليلة، هذا المؤلف الشاب يتحسب الحياة «لعبة كيرم»!
رفوف ممتلئة من هذه الكتب السمجة التي تشبه التداوي بالأعشاب، وكلهم ينعتون لك دواء ضد الكآبة والتوتر والقلق، وترياقاً للسعادة والسمو وبلوغ المرام، غير عن كتب «مفاتيح النجاح، وأسرار الفلاح»، «كيف تصبح مليونيراً في خمسة أيام وبدون رأسمال»، «من الصفر إلى صاحب يخت»، «سر الضحك والتدليك في تورد الخد، ونحت القد»، «بجمالك المفتون تحرسين زواجك المصون»، وكأن المؤلفين «شغل صالونات حلاقة، وموبايلين، ورصيد مدفوع مسبقاً»، ونظارة شمسية ليست أصليّة، لا علم، ولا جامعة، كله «خريط والم وزاهب»، معتقدين هؤلاء «المؤلفين والمولفين» من مراهقي الكتابة غير الأدبية أن سلم الشهرة تبدأ درجاته بكتب مرصوصة، خالية من القيمة الغذائية، منزوعة الدسم المعرفي، تتصدرها صورهم «المفلترة»!