يقول عن كتابه «رحلتي مع الصبر»: «هذا أحب كتبي إلى قلبي، لأنه يضيء على رحلتي في الحياة من طفولتي حتى الآن (نشر في 2004) وكل ما  آقرأ فيه يضعف قلبي وتسيل دموعي على خدي»، ذلك صالح بن سالم اليعربي الذي توقفت رحلة حياته في محطتها الأخيرة الخميس الماضي ليحتضنه ثرى أبوظبي التي أحبها لدرجة العشق، وكرمته تقديراً لرحلة كفاحه وإصراره على تحدي الإعاقة وبناء الذات والإبداع، ومنحته «جائزة أبوظبي»، ليوشحه بوسامها مع بقية الفائزين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2009.
عمل الفقيد صالح اليعربي في القوات المسلحة، وكان يعيش حياته بصورة طبيعية قبل أن تقعده إصابة في العمود الفقري خلال ممارسته الرياضة عام 1976، ليصبح أسير كرسيه المتحرك والسرير الأبيض لفترات طويلة في مركز أبوظبي للعلاج الطبيعي الذي كان جزءاً من مستشفى أبوظبي المركزي القديم، قبل أن تتم إزالته ليفسح المجال أمام مستشفى الجزيرة، ومن بعد مدينة خليفة الطبية. وبدلاً من الاستسلام للإعاقة، جعل منها الراحل نقطة تحول وشرارة أطلقت الإبداع داخله، فكان يراسلنا في «الاتحاد» بمقالات متنوعة، وشغل زاوية ثابتة في صفحة «رأي الناس» عندما كانت تصدر، والتي جمعتنا بكوكبة من الكتاب الإماراتيين والخليجيين والعرب، وكنا أقرب للأسرة الواحدة منها كصداقة أو زمالة.
وقد شرفني بدعوتي لحضور حفل زفافه في قاعة المشرف للأفراح، وكانت فرحته لا توصف، مواصلاً حياته باستكمال دراسته رغم قيود الإعاقة الجسدية، فحصل على الثانوية العامة 2005 والبكالوريوس في نظم المعلومات عام 2009 وحتى نيله الماجستير في إدارة الأعمال مع مطلع 2012، ليعمل بعد ذلك في الجامعة التي تخرج فيها، بالتزامن مع إصداره لكتب في الأدب والشعر تحمل بعضاً من تفاصيل رحلته مع الصبر والإبداع والتحدي.
يقول اليعربي في أحد كتبه «بين صفحات هذا الكتاب، حتما لم أتمكن من تدوين الكثير من معطيات وتجليات رحلتي مع طلب العلم، ولكن حاولت أن أعطي بعضاً من تلك التجليات التي تدفعني دائماً على مواصلة هذه الرحلة بإيمان عميق يرقى وسمو رسالة العلم في بناء الإنسان لحضارته».
رحلة حافلة ثرية رغم المعاناة والإحباطات في بعض محطاتها، إلا أن الرجل أبحر بها لآفاق أوسع بالتحدي والتفاؤل والإنجاز والإبداع قبل الوصول إلى محطتها الأخيرة، رحم الله صالح اليعربي، وأسكنه فسيح جناته، ولذويه ومحبيه الصبر الجميل.