ما الذي يلهم بعض البشر لإبداع الشعر والرواية والبحث والأدب بأنواعه المتعددة؟ ويدفعهم إلى نشره عبر منافذ النشر والمعارض والمهرجانات التي تحتفي بالمبدعين وإبداعاتهم؟ سؤال يحيرني دوماً! لكنني قلت لنفسي، ربما كي لا يظلوا مجهولين وهم أحياء، قبل أن يباغتهم الموت. يبدعون كما غيرهم يبدع فن العمارة والاختراع أو في أي فن آخر، كي يجعلوا من حياتهم ذات قيمة تعلو على قيمة كائنات الطبيعة الأخرى. ومع ذلك، فنحن ندرك الآن أن قيمة كائنات الطبيعة تكمن في ضرورة وجودها لحفظ توازن الحياة في هذا الكوكب.. أمس كنت أتجول في حديقتي المتواضعة التي تقوم بالنسبة لي، مقام الحارس ضد الكآبة! فرأيت أزهار الفل تتفتح في ظلال المساء، وتنثر عطرها السخي في الأثير. وحين سألتها: لمن هذا البياض الباذخ وهذا العطر السخي؟ اهتز الغصن رهيفاً وتناثر العطر من بتيلات الزهرة. فتوهمت أنها قالت: «لا لأحد!» في حين أنني أدركت أن ذبذبات صوتي هي التي حركت الغصن. لكننا نحن البشر نعشق الوهم أكثر مما نسلم بفرضيات العلم وقانون الطبيعة، فزهرة الفل لا تمنح عطرها من أجل رسالة أو غاية، بل لأن طبيعتها أن تبث عطرها في الأثير. ونحن البشر حين نستنشقها، نستشعر تلك البهجة الغامضة، وذلك الارتخاء المفعم بالطمأنينة، لماذا؟ لأن في الطبيعة دوماً ما يوصل الكيمياء بالكيمياء. تماماً كما نشعر بالنفور حين نستنشق الغاز والروائح الكريهة. إن قوانين الطبيعة أكثر إعجازاً من قوانيننا نحن البشر الذين مسطرنا كل شيء، وتوهمنا الغايات والوظائف، وجعلنا لكل نشاط نقوم به جزاء وثواباً! ربما لأننا كائنات ضئيلة في هذا الكوكب الصغير والكون الشاسع. ربما يتوهم الكاتب القدرة على تغيير العالم، لكن السؤال الذي يجب أن يطرحه أي كاتب على نفسه، هو: ماذا يغير؟ ومن يغير؟ وما هي حدود العالم هذا؟ وما هو حجمه؟ واليوم نحن على يقين راسخ بأن قذيفة من مدفع طائرة أو رأساً نووية أو قنبلة ذرية قادرة على تغيير العالم في ثوان! ربما يكتبون لأنهم يعشقون الكتابة تماماً كما يعشق الطفل اللعب برمل الشاطئ، وترهبه لذة المجازفة حين السباحة في البحر. على الرغم من الفارق الشاسع بين مصير الطفل الذي يلعب بالرمل، وبين مصير الكاتب الذي يلعب بالكلمات!