من أي جهة تأتي الرياح، تستقبلها الجزيرة اللؤلؤة بفرح، تأتي من الشمال ويحتضنها الجبل حارس جزيرة دلما، تأتي من كل الجهات فيرقص سعف النخيل التي تحدّت التربة الصعبة ونهضت عالياً لمعانقة شعاع الشمس، لم تعد الجزيرة كالماضي البعيد، فقط تستقبل البحارة من كافة السواحل ثم تقدم لهم الماء العذب القراح، الذي يروي عطش البحارة، فكل شيء تغير، نهض وكبر وتم عمرانه، أثمرت عطايا أيادي الخير، ازدادت المباني وعمرت الأرض، كثر سكان الجزيرة. 
الكف الكريمة التي امتدت إلى الجزيرة أثمرت زرعها وبان أثرها، حتى تلك «المدبسة» خزانة التمر القديمة المهمة للغاية في الماضي، لم تعد الحاجة قائمة إليها، كل المسافات البعيدة تقلصت وأصبحت على مد خطوات من سواحل أبوظبي والرويس. جزيرة تغيرت صورتها القديمة لتسارع الخطى فتصبح مدينة في عين الخليج العربي، ومع كل صباح مشرق تنهض مشاريع جديدة ومساكن جديدة ومدارس تصدح فيها أصوات الأطفال رافعين صوت وصورة الأمل المتجدد كل يوم.. شاهدنا ذلك الحراك والتغير السريع ونحن نتابع مدارس هذه الجزيرة، وحماس الصغار لتلقي العلم وعشقهم لجزيرتهم، كان هذا منذ زمن بعيد، فما بالك بعد أن زاد وكبر الاهتمام والعمل على نهضة هذه اللؤلؤة الجميلة، وفي زمن امتدت فيه مسيرة النهضة أكثر من خمسين عاماً من عمر الإمارات. 
كانت بعض الأفكار الرائدة في خدمة جزيرة دلما، وجعلتها قبلة سنوية لأهم الأنشطة الرياضية البحرية، وهي سباق دلما للقوارب الشراعية القديمة والتراثية، التي أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،، طيب الله ثراه، فأصبحت علامة بارزة، تأتي كل عام، لتنعش، الجزيرة وتجعلها حديث الناس والبحارة. واستمر السباق والرعاية والاهتمام أعواماً طويلة، حيث يحرص أصحاب القوارب والبحارة على التواجد والمشاركة في احتفالية جزيرة دلما بالأشرعة ورجال البحر. ويقول البحارة إن حرصهم على المشاركة بأعداد كبيرة يأتي من باب المحافظة على التراث البحري العريق، وإعادة سيرة البحر الأولى وتاريخ هذا البلد مع البحر، والحرص على ذاكرة الماضي وتتبع رحلة الآباء والأجداد، وعلاقتهم البعيدة بالبحر والقوارب وجزيرة دلما، المحطة القديمة لحياة البحر، وماضي الغوص على اللؤلؤ. وبعد انتهاء سباق دلما الأخير، طفت بالبحارة من منطقتي أم سقيم، كانوا في غاية السعادة والانشراح، لأنهم شاركوا في هذا السباق، واعتبروها رحلة وفرجة، تبعث فيهم السعادة والفرح والسرور.. لأنهم نزلوا جزيرة دلما وأمضوا أوقاتاً جميلة هناك، وربما هي فرحة من يأتي لمعاينة أثر أسلافة القدامى. وعندما تنظر لتاريخ هذا السباق البحري، والممتد إلى قرابة أربعين عاماً، يزيد أو ينقص قليلاً، وتشاهد، أجيالاً من أهل البحر تعاقبت على إعادة سيرة البحر القديمة، وعندما تجد هذا الاهتمام والعناية بمثل هذه الأنشطة الجميلة، لاشك ستغمرك السعادة.