«باب النجار.. مخلّع!».. أحد الأمثال الدارجة في الثقافة المصرية، ويقال تعجباً من صاحب مشكلة في الأساس هو الشخص المتخصص في حلها. كالباب التالف في بيت النجار أو السيارة المتعطلة للميكانيكي.. وهكذا. في كل الثقافات العربية عموماً هناك أمثال يتداولها الناس وتنتقل جيلاً بعد جيل. وكنت منذ صغري مهووسة بهذا العالم، أعيش قصصاً وحكايات في خيالي أنسجها وحدي عن سبب وصول أصحاب الأمثال -القائل الأصلي- إلى تلك اللحظة الإنسانية العميقة التي جعلته ينتجها، ومن ثم مدى صدقها وواقعيتها لدرجة أن تصبح مستحقة فيها لهذه الأبدية في التداول. وخصوصاً عندما تُعتمد كنهاية حتمية لبعض تجارب الحياة التي نواجهها بلا معرفة ولكننا نتعلم منها فيما بعد.
«باب النجار.. مخلّع» من الأمثلة التي اعتنقتها قناعة في حياتي، بأن من لا يتمكن من صنع الشيء لنفسه فلن يتمكن من صنعه للآخرين. ولهذا وجدت نفسي لا أقتنع بصاحب رأي لا يعمل به، وصاحب عمل لا ينجزه لأهله، وصاحب معتقد لا ينفذه على نفسه. دائماً كنت أحدّث نفسي بهذه العبارة بالذات: «كيف أتعامل مع طبيب أسنان تبدو واضحة أمامي أسنانه البالية!»، ولكن وكما كل الأشياء تتغير القناعات بتعدد الخبرات والتجربة، فقد علمتني الحياة أن بعض من يقدم رأياً لم يجربه بنفسه، عانى تبعات عدم الالتزام به، كأن يحدثك مدخن عن أضرار التدخين، أو تخبرك سيدة تهدل وجهها عن فوائد مستحضرات العناية بالبشرة، أو أن يحدثك تاجر فاشل عن أساسيات المشاريع وبداياتها الصحيحة على سبيل المثال، كون هذه الفئة بالذات عانت ويلات عدم الالتزام وتمنّت ألا يقع غيرها في هذا الخطأ.
الحياة مليئة بالمفارقات التي يمكن أن نعتبرها منطقية فقط لو قلبنا أوجهها، والنصائح كنوز تبقى حية متوهجة وملهمة، وهي من الجواهر الثمينة التي ندرت هذه الأيام التي عز فيها الصادقون الذين يقدمون النصائح الحقيقية الناتجة عن تجاربهم. فعندما يقدم لك نجار (بابه مخَلّع) نصيحة عن نوع الخشب الأفضل لبابك، فكر قليلاً، فقد يكون قد توصل إلى رأيه هذا بعد تجربة حقيقية تعلم منها أي الأنواع أفضل.