بصراحة.. نفسي أعرف ومن زمان «وايد»، من هو أول من أدخل كلمة «Meeting» في الكذب، وفي الضحك على الناس، واستعمالها كوسيلة من وسائل التهرب من الناس، وقضاء حوائجهم، ومرات كثيرة لإضفاء شيء من الأهمية على الشخص أو الموظف، وتفريغها من محتواها الحقيقي، هي بالتأكيد حيلة متفق عليها بين المدير وسكرتيرته أو مدير مكتبه إذا ما كبرت المسائل، اليوم.. هناك موظفون صغار، ورجال أعمال كما يحبون أن يسموا أنفسهم، وهم أصحاب دكاكين بباب واحد، وفي الميزانين، وفي عمارات أم خمسة طوابق، ومتهالكة، والمكيفات فيها ليست مركزية، كلهم عندهم «Meeting»، تشوف واحداً خفيفاً طائراً يمر عليك مرّ الطهف، وين يا وجه الخير؟ والله عندي «Meeting» خفّوا علينا شوي، نحن المتقاعدين مبكراً، وحسب نظام التقاعد القديم، كنا نخلص الإجراءات، وننهي المعاملات بالتلفون، وطوال حياتنا الوظيفية ما عرفنا «Meeting» أثناء الشغل، الحين سووا للـ «Meeting» غداء أو عشاء أو جلسة شاي، وبعض المديرين من يصبّح الصبح، وفيه من شغل ليلة أمس، أول ما يوصل لمكتبة متثاقلاً، يقول لسكرتيرته: اليوم ما أريد أشوف وجه أي مراجع، قولي لهم: سعادته عنده «Meeting» مطول، واحتمال يتأخر إلى ما بعد الدوام، ولا يسمح لأحد أن يقاطع «Meeting» المدير إلا إذا كانت واحدة بدّها المدير في شغل خصوصي، أو واحد «شيبة ياي ينازع، ومستعد يضارب، ويمكن يوصل شكواه لبعيد، ولا يهمه أحداً»! طيب.. الحين كله «أون لاين»، وما عاد لها أهمية كلمة «Meeting»، ولا تجد أحداً يراجع إلا بالغلط، وصارت تلك الكلمة منزوعة الدسم، وبلا عافية وطعم الأمس، وما صارت تضفي أي أهمية على أي موظف، لكنها مع ذلك انتقلت الكلمة إلى حياة الناس العادية، بحيث لا تجد أي واحد إلا ويكون في «Meeting»، شباب صغار، وبعد الواحد منهم ما طرّ شنبه، ولا أخضرّ شاربه، والسيارة المفضلة لديه نيسان «فتك»، هذا لو الواحد منهم الرئيس التنفيذي لشركة «هايونداي» أو «ميتسوبيشي» شو بيسوي في عمره؟ يعني عندك محل عطور، وربعها تقليد شغل سنغافوره، شو تحتاج للـ «Meeting» حق «ذيك المضارب»؟ وحدة سيدة أعمال، وهي شغل عبايات، وكنادير مخورة وارد بمبي، وفاتحة عدال محلها صالون نسائي، وحناء أيام الأعياد، شو يحتاج كل شغلها هذا من «Meeting»، ومع من بالضبط؟ الناس الحين صاروا مجانين «Meeting»، وكأن كل أشغالهم لا تستقيم من دون «Meeting»، ولا نجد من يفكنا من تلك الكلمة إلا السفر أو والله المدير مسافر أو المدير في مهمة خارج الدولة أو المدير في مؤتمر دولي برا الإمارات! المشكلة أن بعض الناس مصدقين فعلاً شغلة الـ «Meeting» هذه، فتجد الواحد منهم يسأل الآخر، كيف كان الـ «Meeting»؟ أنا بصراحة.. عني، وبالنيابة عن كل شخص عزيز عليّ، وأود له الخير من دون أي «Meeting»، وإذا ما سمعت كلمة «Meeting» ثلاث مرات في اليوم، يمكن أن يغمى عليّ أو أصاب بتورم في إبهام القدم اليمنى أو أشعر بعوارض فتاق، وأقلها أن يكون نهاري ذاك اليوم مكفهراً عابساً مثل وجه «أم كِنْت»!