بعضهم يشعر بالضيق وشيء من التطير والشؤم إن زار قبراً أو مزاراً، وبعضهم لا يحب تلك السيرة من أساسها، إذاً كثير من أصدقاء السفر يصدون بوجوههم عني إن اقترحت عليهم ذكراً عن منازل دارسة، وعظام بالية، ورفات الراقدين تحت الثرى، فيرفعون شعاراً واحداً متفق عليه: «لا بنرافقك، ولا تتعشى ويانا»! وتعال اقنعهم أن زيارة قبور ومنازل العباقرة والمشاهير في مختلف العلوم والمعارف الإنسانية في مدن العالم المختلفة، تزودك بطاقة إيجابية، قد لا تكون متوافقاً مع الشخص، وربما لا تحمل له حباً، غير أنه واجب الاحترام والتقدير، وأنك ستخرج بعدها بشيء من المعرفة، وبكثير من التساؤلات بشأن الأيام والحياة وأحوالها، وكيف تتغير القراءات من زمن إلى زمن للشخص نفسه، ومن كان محقوراً ومذموماً ومجهولاً بالأمس، اليوم أصبح محموداً، محبوباً ومعلوماً.
ابن سيناء تتنازعه طاجيكستان وأوزبكستان وإيران، ففي ألفيته أقامت له إيران مقاماً كبيراً في مدينة «همدان»، ويكتبونه العالم الإيراني، بينما تماثيله وإرثه موزعة على تلك البلدان، حتى «أبو لؤلؤة المجوسي»، قاتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بتلك الخنجر التي صنعها وقال: «سيسمع برحاها الناس والدنيا»، ورغم أن عمر رضي الله عنه، منع التمثيل به أو الانتقام من أهله، لكنه قتل ورمّت عظامه في المدينة المنورة، الإيرانيون يحتفون به، ويمجدونه فقد أقاموا له نصباً كبيراً، ويعدونه من الرجال البررة، ويترحمون عليه، ويتبركون بمقامه، قبر «وحشي بن حرب» قاتل «حمزة بن عبدالمطلب» قبل إسلامه، وقاتل «مسيلمة الكذاب» بعد إسلامه، والموجود في حمص، بجانب خادم النبي الكريم «ثوبان»، و«رابعة العدوية» قبرها في القدس.
«البخاري» طرد من مدينته بخارى التي ينتسب لها، وتوفي في سمرقند، والآن تتنازع المدينتان فضل الانتماء لهذا العالم الجليل، ومقامه في سمرقند يكتظ بالزائرين والمصلين وطالبي الدعاء. 
«زرياب» فرّ هارباً إثر ليل حالك من بغداد بعدما ضاق صدر المعلم «الموصلي» بنباهة تلميذه، وحين تحركت غيرة المعلم من نجابة الطالب، فشعر الموسيقار الفنان، وواضع أول «إتكيت» لموائد الطعام في الدنيا أن مؤامرة تحاك ضد اغتيال موهبته، فقطع البوادي والجبال والبحار للوصول إلى الأندلس، فجحدته الأولى، وفتحت أذرعها له الثانية. 
«الفارابي» هذا المعلم الثاني هو من مدينة «فاراب» في «كازاخستان»، وتوفي في دمشق، تنازعت عليه إيران معتبرة أنها موطنه الأول، «الخوارزمي» صاحب الجبر، موطنه اليوم ما يسمى أوزبكستان، وتوفي في بغداد، وكل العالم يتقاتل ليته من بلد كل واحد، فقد اخترع الجبر الذي يسير علوم العالم اليوم.
كثيرون هم الذين ضيعتهم مدنهم في الحياة، واحتفت بهم مدن أخرى، واليوم يتنازعون عليهم، لأنهم عرفوا حقيقة قيمتهم التاريخية، «كارل ماركس» ولد في مدينة «ترير» الألمانية، لكن لندن تحتضن قبره في مقابر «هاي غيت»، وحده «جنكيز خان» الذي ولد فوق جبال «خنتي»، وقبره ظل لغزاً بعد وفاته إثر سقوطه من على ظهر حصانه، حتى كشفت الصين عن مباني قبر عظيم في منغوليا، أما مرقد «تيمور لنك» وهم هنا لا يسمونه «تيمور لنك»، لأن «لنك» تعني الأعرج، وهي تسمية الأعداء، أما في بلده فيسمى «أمير تيمور»، وقبره الموجود في مدينة سمرقند، والذي ظل مدة خمسة قرون مكاناً مهاباً، ويعد روعة معمارية، يسمى «بكور أمير» حتى أمر «ستالين» بنبش ذاك القبر.
هناك أيضاً زيارات لبيوت الشعراء والكتاب والرسامين والموسيقيين، ومنازلهم ومتاحفهم، مثل الشاعر التونسي «أبو القاسم الشابي» والشاعر الألماني «غوته» في فرانكفورت، والرسام الهولندي «رامبرانت» في امستردام، وبيت الشاعر «أحمد شوقي» المسمى «كرمة بني هاني» في القاهرة، و«جبران خليل جبران» في مدينة بشرّي اللبنانية، والزعيم الفيتنامي «هوشي منه» في العاصمة الفيتنامية، وغيرهم كثير في الشرق والغرب، منازل تحكي قصص أولئك المشاهير في مدنهم.