الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

التغير المناخي التحدي الأهم

التغير المناخي التحدي الأهم
30 أغسطس 2020 00:48

تتصاعد وتيرة التحديات التي يواجهها كوكب الأرض عاماً بعد الآخر، وقد يدخل كوكبنا مرحلة جديدة من الخطورة، تكون تداعياتها البيئية أشد فتكاً على البشرية من العديد من الأمراض التي مر بها الإنسان عبر العصور.
ستكون حياة ملايين الأشخاص والكائنات الحية على سطح الأرض مهددة بالفناء، إذا ما استمرت حرارة الأرض بالارتفاع جراء التغيّر المناخي والاحتباس الحراري، إضافة إلى ما تشكله انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى من مخاطر جسيمة على صحة الإنسان، ومصيره على هذا الكوكب. 
فالإنسان يواجه تحديات الأوبئة بشكل دائم، من خلال الابتكارات الدوائية والإجراءات الوقائية التي تمكنه من تجاوزها والتكيف معها، لكن يبقى التحدي المصيري الذي يهدد استمرارية البشرية وأشكال الحياة على كوكب الأرض مستمراً، إذا لم يتكاتف الجميع للتصدي له.
منذ ظهور «كوفيد- 19» تسبب بنحو 760 ألف وفاة، ورغم أن أعداد المصابين به قاربت الـ 21 مليوناً، إلا أن أعداد المتعافين قد تجاوز الـ 13 مليون شخص، لكن في المقابل يشهد كوكبنا خلال العقود الأربعة الأخيرة، تحدياً تختلف مظاهره ومسبباته، فهناك 7 ملايين وفاة سنوياً نتيجة تلوث الهواء، ويتوقع أن تؤثر سلباً على قدرة 220 مليون شخص على البقاء بنهاية العام، وتسبب تداعياته من الكوارث الطبيعية في الإضرار بحياة 204 ملايين شخص في 2016، وبلغت قيمة الخسائر الاقتصادية، التي تسببت فيها 335 مليار دولار في 2017.
ترى منظمة الصحة العالمية، أن ارتفاع درجات حرارة الأرض سيؤدي إلى وفاة 250 ألف شخص إضافي سنوياً بين عامي 2030 و2050، بسبب الإجهاد الحراري وسوء التغذية والملاريا والإسهال، وفي تقريرها العلمي توقعت مجلة Nature أنه بحلول عام 2100 سيتعرض 75% من الناس حول العالم لموجات حر شديدة، يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. 
ونتيجة لتأثر المحيطات والموائل البحرية، وبالأخص الشعاب المرجانية بتداعيات التغير المناخي، فإن الدخل المالي واستمرارية العمل لما يقارب الـ 100 مليون شخص يعملون في السياحة البحرية والصيد مهدد بالتوقف، ويرتفع هذا الرقم إلى 600 مليون شخص بحلول 2100.
على مدى ما يقارب العقود الخمسة الماضية، قدمت دولة الإمارات نموذجاً فعالاً لهذا التعامل المطلوب، بدءا بالمشاركة في أول اجتماع للأمم المتحدة، للعمل من أجل البيئة بعد إعلان تأسيس الدولة مباشرة، دعمته بإصدار قانون اتحادي لتأسيس أول هيئة اتحادية للبيئة لتشكل مظلة وإطار منظم، للعمل على ضمان حماية البيئة واستدامة مواردها الطبيعية.
وخلال العقدين الماضيين، وبفضل رؤى القيادة الرشيدة، واستشرافها للمستقبل تعاظم دور وجهود دولة الإمارات في مواجهة هذا التحدي، عبر مشاركتها في نقاشات ومباحثات مواجهة تحدي الاحتباس الحراري، ثم توقيعها كأول دولة في المنطقة على اتفاق باريس للمناخ.
وكخطوات عملية، اعتمدت الدولة مسيرة التحول نحو الاقتصاد الأخضر صديق البيئة، الذي يضمن تحقيق النمو بشكل يحقق الاستدامة، ويخفض مسببات التغير المناخي، وبدأت خطواتها العملية في استخدام ونشر حلول الطاقة المتجددة محلياً، لتصل قدرتها الإنتاجية إلى 1800 ميجا واط، وبالانتهاء من المشاريع الجاري العمل عليها، ستضاف 6500 ميجاواط جديدة بحلول 2030، كما بدأت بتشغيل محطات إنتاج الكهرباء عبر الاستخدام السلمي للطاقة النووية في مشروع براكة، الذي سيوفر 25% من احتياجات الدولة للكهرباء. 
وعلى الصعيد العالمي، ساهمت دولة الإمارات في نشر حلول الطاقة المتجددة عبر التمويل المباشر من صندوق أبوظبي للتنمية، بقيمة بلغت 2.2 مليار دولار خُصصت لتمويل أكثر من 70 مشروعاً من مشاريع الطاقة المتجددة، بسعة تصل إلى أكثر من 2.500 ميغاواط في 60 دولة حول العالم، واستثمار عبر شركة مصدر بقيمة تجاوزت 14.3 مليار دولار في 50 دولة حول العالم، وبقدرة إنتاجية تزيد عن 5 غيغاوات.
واعتمدت الدولة «استراتيجية الإمارات للطاقة»، التي تستهدف الوصول بحصة الطاقة النظيفة من إجمالي مزيج الطاقة المحلي إلى 50% بحلول 2050، وأعدت عبر وزارة التغير المناخي والبيئة تقييما لمخاطر التغير المناخي على القطاعات الرئيسة (الطاقة والصحة والبنية التحتية والبيئة) واحتياجات التكيف مع تداعياته، وتضع اللمسات النهائية حالياً لأول قانون للتغير المناخي في المنطقة.
وتطبيقاً لمنظومة مستقبلية متكاملة للعمل من أجل المناخ، اعتمدت معايير الاقتصاد الدائري، ومنظومات النقل والمواصلات الكهربائية والذكية والصديقة للبيئة، وأطلقت مبادرات تمويل الاستثمار الأخضر، ومنها إعلان دبي للتمويل المستدام، وصندوق دبي الأخضر بقيمة 100 مليار درهم، ومبادرة الصكوك الخضراء، وإعلان أبوظبي للتمويل المستدام، كما تم تشكيل مجموعة عمل من الجهات التنظيمية المالية والأسواق المالية في الإمارات، لتأسيس إطار عام محفز للتمويل المستدام. 
منظومة متكاملة من الجهود، تمثل نموذجاً إقليمياً في المقام الأول للعمل على مواجهة التغير المناخي، وتحويل تحدياته لفرص نمو يمكن الاستفادة منها لإيجاد مستقبل مستدام.
والآن، ونحن نستعد للاجتماع العالمي للعمل المناخي - مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ - والمنتظر أن تعلن عبره العديد من الدول، عن رفع سقف مساهماتها الوطنية المحددة للعمل المناخي، فيجب أن يضع العالم أجمع نصب عينيه أن التعامل مع هذا التحدي المصيري، الذي يشكل فاصلاً حقيقياً أمام قدرة البشرية على الاستمرار والبقاء، يتطلب منا الالتزام الحقيقي والفعال، ومزيداً من التعاون والتنسيق الدولي والسرعة في التنفيذ.
 كما يجب على الدول ذات القدرة الاقتصادية العالية، أن تعتمد ميثاقاً واضحاً لإيجاد نظام استثماري عالمي لتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، الذي يضمن مزيداً من الرفاهية الاقتصادية بالتوازي، مع كونه صديقاً للبيئة والعمل من أجل المناخ، لنضمن مستقبلا أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
وعلى الرغم من تفاقم حدة تداعيات التغير المناخي إلا أنه لا يزال بمقدورنا حماية مستقبلنا، وضمان استدامته ومواجهة هذا التحدي المصيري، لذا فلنوحد جهودنا ونسرع وتيرتها، فقدرة البشرية على الاستمرار رهن بأيدينا.

د. عبدالله بلحيف النعيمي*

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©