الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«معاهدات السلام».. طريق الخلاص عبر التاريخ

«معاهدات السلام».. طريق الخلاص عبر التاريخ
16 سبتمبر 2020 03:14

نسرين درزي (أبوظبي)

عِبَرٌ كثيرة يدونها التاريخ الإنساني حول بشاعة الحروب الدامية والصراعات الطويلة بين الشعوب، والتي أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح والأموال تكبدتها الدول المتناحرة، التي لم تشهد لاحقاً تقدماً حضارياً، إلا بعد إبرام معاهدات السلام التي كان من شأنها إرساء الاستقرار والأمن لما فيه صالح الشعوب.
ومما لا شك فيه أن الأهداف الرئيسة وراء الحروب، كانت دائماً حب السيطرة والتملك، سعياً للمال والجاه والتسلط، لتتحول هذه الرغبات إلى اشتعال الصراعات لفترات طويلة متسببة بهلاك الشعوب وإلحاق الخراب والدمار بين الدول والأمم والحضارات، وكان من الواضح أن الازدهار الإنساني والاقتصادي والثقافي لم يجد سبيلاً للظهور، إلا بعد طي صفحات الحروب، وما خلفته من سفك للأرواح وتشرد وخسائر ودمار، وعقد الاتفاقات بين الجهات المتقاتلة والمتعادية على درب السلام والتعايش والتسامح.

حروب دامية انتهت بالتفاوض
شهدت الحضارات الإنسانية على مر العصور حروباً دموية شرسة، دامت لسنوات وعقود، ولم تنته إلا بعدما أدرك صناعها أن الأمور لن تستقر وتأتي بالنفع على الجميع إلا بعد إيقافها ونشر ثقافة السلام بين الشعوب. 
ومن الحروب الأكثر دموية في التاريخ، حرب «الثلاثين عاماً»، والتي دارت في ألمانيا، وامتدت من عام 1618 إلى 1648، وشارك فيها معظم القوى في القارة الأوروبية بسبب الصراع الطائفي بين الكاثوليك والبروتستانت. 
غير أن السبب الحقيقي من ورائها كان التنافس للحصول على الحكم، وخلَّفت الحرب قرابة 11 مليون قتيل، وتسببت في انخفاض عدد سكان ألمانيا والنمسا وبوهيميا، ودمرت 29 ألف قرية مع توقف الزراعة في مساحات واسعة، عدا عن المجاعات وأكل القطط والكلاب الميتة.
ومن الحروب الأخرى حرب «السنوات السبع»، واستمرَّت من عام 1756 إلى 1763، وشاركت فيها عدَّة دول أوروبية، وضمَّت تحالف بريطانيا وبروسيا وولاية هانوفر الألمانية من جهة، وفرنسا والنمسا وروسيا والسويد وسكسوني من جهة أخرى، ثم انضمت إليها البرتغال وإسبانيا. 
وامتدت حرب السنوات السبع إلى أميركا والهند بسبب المستعمرات الفرنسية والبريطانية، وبدأت الحرب بين بروسيا والنمسا حتى وصلت إلى كامل أوروبا، ولم تنته إلا بعد توقيع «معاهدة باريس» في فبراير عام 1763، ومن أبرز نتائج هذه الحرب قيام الثورة الفرنسية، وكانت بداية للثورة الأميركية على البريطانيين، والتي أدَّت إلى استقلال أميركا لاحقاً.
أما «الحروب النابليونية»، التي وقعت في القارة الأوروبية في الفترة التي حكم فيها نابليون بونابرت فرنسا، فانتهت بعد هزيمة «واترلو»، وحصدت نحو 6 ملايين قتيل. وكانت أبرز أسبابها الحصار القاري الذي فرضه نابليون على بريطانيا، وهو ما أدى إلى قيام الثورة من الشعبين البرتغالي والإسباني على جيوش بونابرت.
وخلال القرن الماضي، اشتعلت الحرب العالمية الأولى، في القارة الأوروبية في 28 يوليو عام 1914، وتسببت بوفاة 16 مليون إنسان، وكانت من أسباب ظهور جائحة «الإنفلونزا الإسبانية» في عام 1918، والتي حصدت أرواح نحو 100 مليون إنسان في أنحاء العالم، وكانت هذه الحرب تمهيداً لحدوث تغييرات سياسية كبيرة في العالم أجمع.
وشاركت في الحرب العالمية الأولى مجموعة من الدول المتحالفة، ضمَّت فرنسا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا من جهة، والدول الخاسرة ألمانيا والنمسا والمجر والدولة العثمانية وبلغاريا من جهة أخرى. وانتهت الحرب في 1919، حيث عُقد أول مؤتمر للصلح، وبعده تم توقيع معاهدة «فرساي» مع الألمان، ومعاهدة أخرى بين المجر وتركيا.
لكن تعتبر الحرب العالمية الثانية، الأكثر شراسة ودموية في تاريخ البشرية، واندلعت في 1939، في أوروبا، واستمرَّت حتى 1945. وشاركت فيها أكثر من 30 دولة حول العالم وضعت كل إمكانياتها وقدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية. وحصدت الحرب أرواح الملايين، وشهدت ظهور أنواع جديدة من الأسلحة، كالقنبلة الذرية، التي ألقتها القوات الأميركية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان. 
وبحسب الدراسات، فإن عدد ضحايا العسكريين فيها بلغ 30 مليوناً، عدا عن قتلى جرائم الإبادة الجماعية، الذي تراوح بين 19 و30 مليوناً، ونحو 25 مليون ضحية من المدنيين.
وتبقى حرب فيتنام، التي شهدت كفاح الشعب الفيتنامي للتحرر من الاحتلال الأميركي، ذات أثر كبير على الشعبين الأميركي والفيتنامي حتى الوقت الراهن. وعلى رغم من فداحة تلك الحرب، حيث لقي 57 ألف جندي أميركي مصرعهم فيها، فيما قتل مليونا فيتنامي، إلا العلاقات بين أميركا وفيتنام باتت في أفضل أحوالها حالياً.

هدنة «الرملة»
شهدت العصور الوسطى صراعات وحروباً طويلة، أبرزها الحروب الصليبية، المتمثلة في الحملات العسكرية التي شنها الغرب الأوروبي على بلاد الشام ومصر وتونس في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، واستمرت حتى أواخر القرن الثالث عشر الميلادي. ويكشف الدكتور محمد مؤنس عوض أستاذ التاريخ في كلية الآداب بجامعة الشارقة، أن الأهداف الحقيقية لتلك الحروب، لم تكن دينية، وإنما كانت اقتصادية، من أجل الاستيلاء على ثروات الشرق وطريق الحرير.
وأوضح عوض، أنه على رغم من دموية تلك الحروب، إلا أنها انتهت بمفاوضات أدت إلى السلام.. وذكر أن من أبرز الدول التي اشتركت في هذه الحروب، فرنسا وإنجلترا وألمانيا والدول الاسكندنافية، لذلك وصفت بالحرب العالمية في العصور الوسطى. واستمرت تلك الحروب قرنين من الزمن وفتكت بمئات الآلاف من البشر.. وأضاف الدكتور عوض أنه على الرغم من كثرة الأحداث العنيفة، إلا أن الطرفين احتاجا لاحقاً إلى عقد الهدن والمعاهدات من أجل حقن الدماء وطلباً للسلام، وأدى ذلك إلى عقد هدنة «الرملة» بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد عام 1192، والتي أقرت السلام بين الطرفين لمدة 3 أعوام، ساد بعدها الأمن في عموم البلاد. ومن الأحداث التي تذكر في هذا المجال اتفاقية «يافا»، التي عقدت بين الكامل الأيوبي وفردريك الثاني في عام 1129، وأقرت السلام بين المسلمين والصليبيين لمدة 10 سنوات. 
وأشار الدكتور عوض إلى أن تلك المصالحات، كانت السبب الرئيس لحقن الدماء، ولعبت دوراً بارزاً في إدراك الطرفين لأهمية السلام، والتوقف عن الحرب التي حصدت الأرواح، وأتت على الأخضر واليابس.

صفحات سلام
ذكر الدكتور مسعود إدريس، رئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الشارقة، أن أبشع الحروب الدامية وقعت في العصر الحديث، وبينها أحداث الحرب العالمية الثانية من عام 1939 إلى 1945، حيث قامت الولايات المتحدة الأميركية بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما في اليابان في 1945، وهو ما أدى إلى الفتك بنحو 200 ألف إنسان في لحظات.  وذكر أنه رغم بشاعة ما حدث، تصالحت الولايات المتحدة واليابان، وقامت علاقات دبلوماسية بينهما، وتبادلا السفراء مع بناء علاقات تجارية قوية.. وأوضح إدريس أن العبرة التي يقدمها التاريخ في شؤون الصراعات بين الشعوب، تتمثل في أن السلام، هو الأساس في العلاقات الدولية، في حين أن الحرب هي الاستثناء. وقال: «بناء على هذه الحقيقة، فإنه في مقدورنا إحصاء فترات الحروب، غير أننا لا نتمكن من إحصاء مراحل السلام». وبحسب ملاحم التاريخ، فإنه من المهم جداً تعميق ثقافة السلام والتسامح، وإعطاء الحقوق لأصحابها، ووقف سفك الدماء على المستوى الدولي، كي تتفرغ شعوب العالم لمواجهة الأعداء الحقيقيين للبشرية، وهم الفقر والجهل والمرض والتعصب والفساد.  وقال: «فلنجعل السلام قائدنا، لأن الله تعالى اسمه السلام»، لافتاً إلى أن الدول المتناحرة تمكنت من عقد المصالحات لاحقاً، واتجهت نحو السلام بناء على أسس متينة لفتح صفحات جديدة. وعدّد إدريس ثمرات السلام، موضحاً أنه يعزز العلاقات المتبادلة على الأصعدة الثقافية والاقتصادية كافة، ويؤدي إلى وقف كل الحملات الإعلامية ذات الطابع العدائي التي تؤثر سلباً على الشعوب، إلى جانب القيام بمشاريع مشتركة على نحو يعود بالخير على الجميع. ولفت إلى أن السلام لابد أن ينعكس أيضاً على مناهج التعليم، حتى تخرج أجيال جديدة تؤمن بالتسامح والتعايش مع الآخر.

استعادة الباقورة والغمر
نصت «معاهدة السلام» بين المملكة الأردنية وإسرائيل، الموقعة عام 1994، والمعروفة بـ«معاهدة وادي عربة»، على وجود نظام خاص منحت فيه المملكة المزارعين الإسرائيليين حق الانتفاع في منطقتي الباقورة والغمر لمدة 25 عاماً، مع إقرار إسرائيل بالسيادة الأردنية عليهما. 
وكانت منطقتا الباقورة والغمر من بين بنود النزاع بين الأردن وإسرائيل، قبل توقيع معاهدة السلام بينهما، بسبب وقوع المنطقتين على الحدود. 
ومع انقضاء مدة الـ25 عاماً في 2018، أنهى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، النظام الخاص، ومن ثم، خرج المزارعون الإسرائيليون من المنطقتين. 
ورغم أن إسرائيل أجرت اتصالات مكثفة مع الأردن، لمحاولة تمديد الاتفاقية، إلا أن الجانب الأردني أخطر الحكومة الإسرائيلية بأن إلغاء العمل بالملحقين قرار نهائي.
وعقب استعادة الأردن للمنطقتين، في نوفمبر من العام الماضي، احتفى الأردنيون بإنهاء العمل باتفاقية كانت عنواناً لحسن النوايا والتيسير والتعاون الذي رافق معاهدة وادي عربة.
وكان إنهاء الاتفاقية مطلباً شعبياً أردنياً تلاقى معه الموقف الرسمي أيضاً، وعبر عنه الملك عبدالله الثاني مبكراً بإعلان نيّة عدم تجديد الاتفاقية. 
وبعد استعادة المنطقتين، منحت الأردن المزارعين الإسرائيليين مهلة بضعة أشهر، ولمرة واحدة، لحصاد محاصيلهم، تحت مظلة القانون والإجراءات الأردنية المتبعة. 
والباقورة هي بلدة أردنية حدودية تقع شرق نهر الأردن، ضمن لواء الأغوار الشمالية التابع لمحافظة إربد، وتبلغ مساحتها الإجمالية 6000 دونم. وأما الغمر، فتمتد على مساحة 4 كيلومترات، وهي عبارة عن أراض زراعية خصبة. 

«معاهدات صلح» أرست دعائم التنمية
تعتبر معاهدة باريس، نموذجاً لمعاهدات الصلح التي شكلت أساساً لنمو وتطور الدول الموقعة، ووقعت أميركا المعاهدة، ونتج عن التوقيع قيام ونهضة وتطوردولة الولايات المتحدة، حيث قررت بريطانيا وفقاً لمصالحها، أن تدعم أميركا لتصبح قوية وناجحة اقتصادياً، فامتد نفوذها حتى نهر المسيسيبي، مع حقوق الصيد في كندا، وهو ما مكن الولايات المتحدة من التوسع غرباً.
وأدى «مؤتمر فيينا» بين عامي 1814 و1815، إلى منع اندلاع كثير من الحروب الأوروبية، التي دارت لمئات السنين، وجمع الأطراف بما فيها فرنسا المهزومة.
وأسفرت المعاهدة عن الحد من الخسائر بين الدول المتناحرة، وفقدت السويد فنلندا لصالح روسيا، لكنها اكتسبت النرويج من الدنمارك، فيما حصلت الدنمارك على كروا السويدية ودوقية نبورغ من هانوفر.
وأما معاهدة دايتون، الموقعة عام 1955، فأدت إلى وقف الحرب التي اندلعت في الخمسينيات بين البوسنة والهرسك. واستمرت المفاوضات 20 يوماً، وتضمن الاتفاق تقسيم البوسنة والهرسك إلى دولتين منفصلتين: الفيدرالية للمسلمين والكروات، وجمهورية الصرب للصرب فقط.
وشكلت معاهدة كامب ديفيد، التي وقعتها مصر عام 1973، بعد حرب أكتوبر التي انتصر فيها الجيش المصري على إسرائيل، أساس السلام بين الجانبين، حيث وقع الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات اتفاقية السلام، مع مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، لوقف الحرب، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المصرية كافة التي احتلتها عام 1967، وانسحبت بشكل كامل من سيناء، وأُنشأ حكم ذاتي للدولة الفلسطينية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©