السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

المريخ والاستثمار في العلم

المريخ والاستثمار في العلم
18 فبراير 2021 00:50

الدكتور محمد عمران تريم

سيسجل التاريخ يوم 9 فبراير 2021م بأحرف من نور، فقد أعلن عن نجاح رحلة «مسبار الأمل» إلى المريخ، والتي استغرقت 7 أشهر، حيث ابتدأت في يوليو الماضي 2020م تحدياً لجائحة كورنا «كوفيد - 19» التي لم توقف جهد دولة الإمارات العربية المتحدة العلمي لتحقيق ما خططت له منذ سنوات.
لقد زفت دولتنا العامرة بقيادتها الحكيمة بشرى سارة إلى الأمتين العربية والإسلامية وإلى العالم أجمع، بأن المسبار تمكن من الدخول في مدار المريخ، أو ما يعرف بالكوكب الأحمر، في رحلة قطع خلالها 493 مليون كيلومتر بمتوسط سرعة يقدر 121 ألف كليومتر في الساعة.
وبهذا الإنجاز العلمي تكون دولة الإمارات العربية المتحدة هي ثالث دولة في العالم تصل إلى مدار المريخ بنجاح من المحاولة الأولى، وهي الدولة الخامسة التي تنجح في إطلاق مهمات مريخية، بهدف توفير بيانات لم توفرها المهمات المريخية السابقة، مثل مراقبة الطقس على مدار اليوم وفصول السنة المريخية التي تقدر بـ 687 يوماً أرضياً.
وتعود قصة الرحلة التاريخية إلى المريخ إلى العام 2006م، حيث تم إنشاء مؤسسة «الإمارات للعلوم التقنية المتقدمة» من قبل حكومة دبي التي تكون جزءاً رئيسياً من المبادرة الاستراتيجية الهادفة إلى دعم الابتكارات العلمية والتقدم التكنولوجي في المجتمع المحلي لدفع عجلة التنمية المستدامة وتحقيق المنجزات العلمية في هذا المجال، وكان إطلاق القمرين الصناعيين «دبي سات 1» و«دبي سات 2» خطوة متقدمة على هذا الصعيد، وظل القمران يدوران حول الأرض ويلتقطان صوراً بتوجيهات من المحطة الأرضية.

عقول إماراتية
ثم أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عن إنشاء «وكالة الفضاء الإماراتية»، وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي إلى الكوكب الأحمر، وذلك عن طريق فريق عمل إماراتي وبعقول إماراتية بالكامل، والهدف من ذلك هو دخول حقل صناعة الفضاء لتعزيز التنمية، وكل ذلك بإنجاز الرحلة المريخية بالتزامن مع الاحتفال بمرور 50 عاماً على تأسيس دولتنا العامرة بقيادة المغفور له الشيخ زايد «حكيم العرب»، طيب الله ثراه.
وإذا كان طريق النجاح والريادة صعباً وطويلاً، إلا أنه الطريق السليم والمضمون للاستثمار العلمي، وقد كان ذلك يحتاج إلى توفر إدارة سياسية واعية ولها رؤية مستقبلية علمية ونزاهة أخلاقية وطنية عالية، والإرادة السياسية تكون فعالة مع مناهج علمية وتراكم معرفي لتسخير إمكانيات البلاد لتحقيق الخطط والبرامج التي يتم وضعها لإنجاز عملية التنمية المنشودة، وقد حبا الله الإمارات بقيادة رؤيوية وإمكانيات وموارد طبيعية وبشرية أهلتها لأن تحتل هذه المكانة التي تستحقها والتي أصبحت تنافس دولاً متقدمة.

الذكاء الاصطناعي
وخلال السنوات الخمس الماضية، سعت الإمارات إلى خوض مجالات علمية وتكنولوجية أكثر تقدماً، فأسست في العام 2017م أول وزارة في العالم للذكاء الاصطناعي لتقود الجهود في مجال التعليم الآلي وغيرة من التقنيات المتطورة، بعد أن خطت شوطاً بعيداً في مجال التسامح فأسست وزارة له، حيث يتعايش في دولتنا نحو 200 قومية وجنسية ولغة ودين ويحمي الجميع القانون على أساس التعايش والاحترام المتبادل، وكانت الريادة حين تم على أرضها إنجاز وثيقة «الأخوة الإنسانية» التي وقعها فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب والبابا فرنسيس، وذلك في 4 أكتوبر 2019م وقد صادقت الأمم المتحدة في 22 ديسمبر 2020م بأهميتها ودعت العالم للاحتفال بيوم 4 فبراير من كل عام باعتباره «اليوم العالمي للأخوة الإنسانية من أجل السلام والعيش المشترك»، كما سارت دولة الإمارات خطوات متقدمة في طريق رفاه شعبها ومواطنيها في مجال التعليم والصحة والخدمات وتوفير مستلزمات التنمية، وكانت سباقة في مواجهة الجائحة التي حلت بالعالم، وذلك تحقيقاً لما أطلقته بتأسيس وزارة للسعادة والتي كادت تكون الأولى في العالم، وهو المعيار الذي يقاس به مدى شرعية وقانونية أي نظام في العالم، لاسيما بالمنجز الذي يحققه لشعبه.

التميز المعرفي
الاستثمار في العلم الذي اختارته دولة الإمارات يعني الدخول في سباق لا حدود له عالمياً ولا سقف له في الآن ذاته، وهو سباق يمكن أن يكون أكثر شجاعة بالتعاون على أساس الاحترام المتبادل، وهي الخطة التي وضعتها القيادة الحكيمة للأعوام الثلاثين القادمة لتحقيق أشياء أكثر استدامة، أساسه العلم واقتناء المعرفة وكيفية تحقيق الانسجام في معرفة الإنتاج واستخدام المعرفة بخلق أصول معنوية. ويمثل ذلك قاعدة صلبة لنهضة حقيقية باستقطاب نوابغ في هذه الحقول خدمة للبشرية، لا سيما بالتعاون مع الجامعات في إطار منصة لتبادل الخبرات بقراءة واقعية للمستقبل وعبر عملية تراكم معرفي. إن تحقيق الإمارات هذا الإنجاز التاريخي في رحلة «مسبار الأمل» نحو المريخ يعني فيما يعنيه تعزيز خريطة التميز المعرفي في قطاع الصناعات الفضائي، وهي التي يمكن التعويل عليها في العقود القادمة لإحداث قفزة علمية غير مسبوقة لصالح البشرية.

باحث وكاتب إماراتي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©