الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الوعي والتربية الرقمية والتسامح استراتيجية ناجعة لدحر التطـرف السيبراني

عبدالله الغذامي ومحمد الملا ومحمد العلي وحمد الكعبي ومحمد العسومي وعمر الدرعي وأشرف العيسوي ومحمد العزي ومحمد خلفان الصوافي (من المصدر)
21 ابريل 2021 02:45

طه حسيب (أبوظبي)

تحت عنوان «مخاطر التوظيف الأيديولوجي للمنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية»، استهلت «الاتحاد» فعاليات «مجلسها الرمضاني» بندوة عقدتها، عن بُعد، بالشراكة مع مركز «تريندز للبحوث والاستشارات». وافتتح حمد الكعبي رئيس تحرير الاتحاد فعاليات الندوة، مرحباً بالمشاركين، ومؤكداً أن هذه المنصات والتطبيقات باتت واقعاً لا بد من التعايش معه ومواجهة مخاطره، حيث يوجد الآن 4.2 مليار مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، لتصبح بذلك ساحةً ضخمةً لنشر الأفكار والترويج للأيديولوجيات المتطرفة وحتى استغلال البيانات في تسويق السلع والمنتجات، ما يفرض تحديات على المؤسسات الإعلامية، كي تتصدى للأجندات المغرضة والإشاعات والمعلومات المضللة. والسلاح الأنجع في مواجهة هذا الخطر يتمثل في توعية الجماهير وتحصين مدركاتها من كل من يحاول استغلال هذه المنصات والتطبيقات لزعزعة استقرار المجتمعات أو تزييف وعيها. وأشار الكعبي إلى أن الندوة تجيب عن تساؤلاتٍ جوهرية في التصدي لهذا التحدي، وتقدم وصفة ناجعة لحماية المجتمعات من هذا الطوفان الرقمي.

معول هدم
وانتقلت الكلمة إلى الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لـ«تريندز للبحوث والاستشارات»، مؤكداً أهمية الندوة كونها تناقش واحدة من القضايا التي ترتبط بأمن مجتمعاتنا ودولنا، وهي التوظيف الأيديولوجي للمنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية من جانب جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي بوجه عام، والتنظيمات المتطرفة والإرهابية في نشر أيديولوجياتها الهدامة، والتي تستهدف تدمير أسس التعايش وقبول الآخر التي تقوم عليها المجتمعات. وتكمن المشكلة، حسب الدكتور محمد، في تحول هذه المنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية، في الآونة الأخيرة إلى معول هدم وتدمير للمجتمعات، بعد أن أسيء توظيفها أيديولوجياً من جانب جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة، في التحريض على العنف والكراهية وبث الفرقة والخلافات وزعزعة الأمن والاستقرار في المجتمعات والدول.
ولدى «العلي» قناعة بأن مواجهة المخاطر المترتبة على هذه الظاهرة مسؤولية المجتمع الدولي بأسره، لأنها تهدد أسس التعايش والسلم الدوليين، والبداية من شركات التكنولوجيا المتقدمة التي يتعين عليها مراجعة مسودة الضوابط والسلوكيات الناظمة لوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية، حتى لا تتحول إلى منصات للتطرف والإرهاب.

التصدي بالثقافة
أكد الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي، أستاذ النقد والنظرية بكلية الآداب- جامعة الملك سعود، ومؤلف كتاب «ثقافة تويتر»، أن ما كان مغطىً في أزمنة مضت أصبح مكشوفاً ولحظياً وتفاعلياً. ويضيف الغذامي: يجري الخير والشر معاً، وفي المقابل فإن قدرات المؤسسات الرسمية محدودة. ويتابع الغذامي بأن لدى المؤسسات سبلاً قانونية وفنية للتصدي، إلا أن الثقافة أيضاً لها سبلها للتصدي، وأهمها أن لا نتصدى لكل مادة تنشر إلا إذا حظي المنشور بشيوع كاسح، وحينها تجب مواجهته قانونياً وبردود عملية وتوثيقية، وبسلاح القانون الذي يحتم على إدارات المواقع أن تحذف المواد المسيئة، وأن تغلق الحسابات الشريرة والضارة بالأمن والسلام البشري العام والخاص.
ويشير الغذامي إلى أهمية تمتين الجبهات الداخلية والتماسك المجتمعي، وتسخير القوى الشعبية الحرة للتصدي للباطل بكشفه وكشف مصادره، بمعنى أن الشعب هو جيش معنوي جبار خاصة إذا تم تحفيزه للدفاع عن شرف الوطن والمعاني والأخلاق. ويقول الغذامي: نشهد في «تويتر» مثلاً أن أفراد الشعب يقومون مقام الجيش المعنوي بقوة ناعمة لكنها جبارة وفعالة، ولذا فإن توظيف هذه الطاقات الحرة هو أقوى أسلحة المواجهة، وكل فرد يدافع عن قضية، يراها قضيته هو شخصياً وقبل أي شيء، فإن مفعول تصرفاته سيكون أهم عناصر التوعية السليمة في مواجهة الظلاميين والأشرار المتربصين بأمن البلاد والعباد. ويحذر الغذامي من خطر مساعي تنظيم الإخوان لاستقطاب ما يسميه «الفرد الحر المستقل»، فعناصر التنظيم يفرحون باستقطابه كونه يستطيع ترويج رسالتهم أكثر من كوادر التنظيم. 

استراتيجية شاملة
أشار الدكتور محمد العزي، مستشار تخطيط وتحليل المعلومات بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، إلى أن الندوة تبحث كيفية بناء استراتيجية شاملة تسهم في تحصين المجتمعات من التأثيرات السلبية لهذه التطبيقات التي تحولت إلى أدوات لنشر الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة، سواء من جانب جماعة الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين والجماعات التي تدور في فلكها، أو من جانب جماعات وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، خاصة أن هذه المنصات والتطبيقات تتميز بمجموعة من السمات تجعلها أكثر انتشاراً وتأثيراً لدى النشء والشباب.

استهداف للتعايش
وأضاف محمد  العزي، مدير الجلسة، أن الآونة الأخيرة شهدت ظهور العديد من التطبيقات الإلكترونية التي يتم توظيفها أيديولوجياً من جانب هذه الجماعات، مثل تطبيق «كلوب هاوس» الذي يمكن مستخدميه من إجراء محادثات صوتية مباشرة في غرف مغلقة، وإقامة ما يشبه الغرف الحوارية بداخله، وتطبيق «يورو فتوى» الذي تم إنشاؤه من قبل «المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث»، وهو مؤسسة خاصة في دبلن أنشأها الإخواني يوسف القرضاوي، ويروج لفكر جماعة الإخوان المسلمين، هذا إضافة إلى المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التقليدية «فيسبوك، تويتر، إنستغرام، لينكدإن»، والتي يتم توظيفها أيديولوجياً أيضاً من جانب العديد من الجماعات المتطرفة والإرهابية وقوى اليمين المتطرف في أوروبا، ما يشكل تهديداً لأمن واستقرار المجتمعات، ويعصف بقيم التعايش والتسامح والوسطية والاعتدال التي تمثل ركيزة الأخوة الإنسانية العالمية.

مواجهة دعاة الإرهاب
وفي مداخلته المعنونة بـ«جماعة الإخوان المسلمين من يورو فتوى إلى كلوب هاوس»، رصد محمد أحمد الملا، المستشار الإعلامي لنقابة الصحفيين الكويتية، كيف تطورت جماعة الإخوان من خلال تدشين الجمعيات الخيرية إلى الاتصال بالخارج عبر السفارات، والوصول إلى دول مثل باكستان والهند وإيران، ثم اتجاه الجماعة إلى استقطاب الشباب المبدع والمتحدث الجيد من أجل تفعيل سياسات الكذب والخداع وليّ الحقائق من أجل تحقيق أهداف التنظيم الذي لجأ أيضاً إلى المؤتمرات والخطابات الجماهيرية للتأثير على المجتمعات، واستقطاب شبابنا ليتحولوا إلى دعاة ظلام، وخرجت رؤوسهم في ثورات ما يسمى «الربيع العربي»، وكانت أدواتهم منصات التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» وكافة المنصات الأخرى. واليوم -يضيف الملا- يستغلون غرف المحادثات كبرنامج «كلوب هاوس» في نشر الأكاذيب والاجتماع مع الهاربين الخونة لزرع أفكار هدامة. ويطالب الملا الإعلاميين والصحفيين والكتاب بالدخول في منصات التواصل الاجتماعي للرد على مزاعم «الإخوان» وأكاذيبهم مع تدريب الإعلاميين الوطنيين على مواجهة دعاة الإرهاب بتلك المنصات. 

«الخلافة السيبرانية»
وتحت عنوان «داعش.. من نشر الفكر المتطرف إلى الخلافة السيبرانية»، أكد محمد خلفان الصوافي مدير إدارة الإعلام البرلماني في المجلس الوطني الاتحادي أن تنظيم «داعش» الإرهابي فقد نفوذه على الأرض، ويتجه لتأسيس «خلافته» المزعومة على الفضاء الإلكتروني. ويرى الصوافي أن داعش لم ينته بإعلان هزيمته في 2018، أو بعد مقتل البغدادي في 2019. فالآن يشهد التنظيم الذي يقوده اليوم «أبو إبراهيم القرشي» عودة نشطة من خلال العالم الافتراضي الذي يحاول «داعش» من خلاله إعادة تدوير أفكاره، لكسب مؤيدين جدد. و«الخلافة السيبرانية» ليست خيالاً، لكنها على أرض الواقع خطر حقيقي. ويحذر الصوافي من ظاهرة «أيتام داعش» كمشروع محتمل لجنود جدد في التنظيم من خلال العالم الافتراضي. واستنتج الصوافي أنه لا مناص من تعاون الحكومات مع شركات التكنولوجيا لوضع سياسات هدفها التحذير من استخدام الإرهابيين للمنصات الإلكترونية. 
ومما يؤكد خطورة ذلك النمط الإرهابي الجديد أن أغلب العمليات الإرهابية التي تتم حالياً يجري تنسيقها وترتيبها -على حد قول الصوافي- عبر الفضاء الإلكتروني. 

مليارات النصب والاحتيال
 وتحت عنوان «المتاجرة بالبيانات الشخصية والتلاعب باتجاهات المستهلكين»، أكد المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور محمد العسومي، خطورة استغلال البيانات الشخصية من أجل التأثير على اتجاهات المستهلكين، وربما ممارسة النصب والاحتيال مما يؤدي إلى خسائر جسيمة، إضافة إلى تشجيع المستهلكين على شراء مواد خطرة تهدد حياتهم، إضافة إلى عمليات النصب والاحتيال التي تتم من خلال التجارة الإلكترونية وخرق الحسابات المصرفية، والتي بلغت 65 مليار دولار تقريباً على مستوى العالم في العام الماضي 2020. 

المكونات الأربعة 
وعن «دور مؤسسات التوعية في تحصين الجمهور من مخاطر نشر الفكر المتطرف» قدم الدكتور عمر حبتور الدرعي، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، مداخلة أكد خلالها أن قيم ديننا الإسلامي الحنيف تؤكد على تحقيق التحصين الفكري، بقيم المسؤولية والأمانة والتحري والتثبت، والصدق والثقة، وسلامة نقل الأخبار، وتحريم نقل الإشاعات والكذب واللغو.
ويدعو الدرعي إلى وضع استراتيجيات كفيلة بضمان المحتوى الإيجابي في هذه الوسائل واستثمارها في مواجهة الأفكار الداعية إلى التطرف والعنف، استراتيجية رباعية، مكونها الأول: الرصد والاكتشاف والوعي، فهذا هو خط الدفاع الأول والعين الحارسة للمجتمعات، وينطلق هذا الجانب من العلم بهذه التنظيمات الأيديولوجية وأهدافها وطريقة عملها، بجهد مشترك بين كل المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية والإعلامية والمجتمعية.
المكون الثاني: التربية الرقمية وتبني ثقافة التعامل الآمن مع وسائل التواصل الاجتماعي، فلا شك أننا أحوج ما نكون إلى استحداث مواد تخصصية في مختلف المراحل التعليمية، تدرس التربية الرقمية.
 المكون الثالث: تعزيز القيم الإنسانية وإثراء محتوى الاعتدال بالقيم المشتركة، والأخوة الإنسانية، وقيم الاختلاف والتسامح والتعايش والوسطية.
الرابع: الاستباقية والاستشراف لمستقبل التطرف ووسائله الإلكترونية المستحدثة.

التعليم والإعلام 
وخصص الدكتور أشرف العيسوي، المستشار الإعلامي بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، مداخلته عن «دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في تحصين المجتمع من مخاطر المنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية السلبية»، مؤكداً تزايد عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عالمياً ليبلغ 4.2 مليار نسمة أي نصف عدد سكان الأرض، والرقم مرشح للزيادة بمليار إضافي. في العالم العربي، يقول العيسوي: بلغ عدد مستخدمي هذه الوسائل 140 مليون مستخدم، ومكمن الخطر، حسب العيسوي، يتمثل في مجانية الدخول إلى هذه الوسائل وقدرتها على التأثير، إضافة إلى أنها أصبحت «طوق نجاة» لجماعات التطرف. ويطرح العيسوي مقاربته لتحصين المجتمع من سوء استغلال المنصات الرقمية، وتتمحور حول مشاركة مؤسسات دينية وتعليمية وإعلامية، معتبراً الإعلام رأس حربة في التصدي للأيديولوجيات المتطرفة، فبمقدوره لعب دور وقائي لمنع غسل أدمغة الشباب. ويلفت العيسوي أهمية استخدام وسائل التواصل نفسها للتصدي للفكر المتطرف، والإمارات لها تجربة ناجحة في هذا المجال من خلال «مركز صواب». 
وعن التعليم يشيد العيسوي بتجربة الإمارات في تدريس مادة «التربية الأخلاقية» التي تسهم في تأهيل الطلاب وتوعيتهم بالقيم الإيجابية مثل الانتماء والاعتدال.
وفي ختام الندوة، طرح الدكتور محمد العزي تساؤلات من بينها: ما العوامل التي تحد من فعالية الخطاب التنويري في مواجهة خطاب التطرف؟ وأجاب محمد الصوافي بأن الخطاب المتطرف لطالما استغل معاناة الناس وعمل على تضخيمها. 
وأضاف العزي سؤالاً جديداً عن كيفية ضمان تحصين المجتمعات من خطر استغلال هذه المنصات؟ نوّه الإعلامي الكويتي محمد الملا إلى أهمية دور المثقفين وأصحاب الخطاب التنويري، ولا يمكن السيطرة -حسب الملا- على وسائل التواصل إلا من خلال الوعي وبمساعدة مثقفين يروجون للتعايش والسلام. وأكد أشرف العيسوي ضرورة وجود توافق دولي لمنع منصات التطرف. وأضاف الدكتور محمد العزي، أن ثمة إجماعاً على مخاطر النشاط السيبراني المتطرف، ولا بد من مواجهته بالتثقيف الديني السليم وتعليم التسامح وتفعيل دور النخبة المثقفة لإنتاج خطاب مضاد للتطرف.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©