الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإمارات.. عاصمة الفن المعاصر

عمل فني لـ حسن شريف
18 يونيو 2020 00:09

استطاعت الإمارات العربية المتحدة أن تصبح في مركز الاهتمام الفني العالمي، وخاصة الجانب المعاصر منه، بعد كل هذا التطور الحاصل بدعم متواصل من القيادة الرشيدة، وبعد أن تحولت عاصمة الفن من قلب أوروبا، باريس، إلى نيويورك في أميركا، ها هي تولي وجهها شطر الشرق العربي،   إذ بدأت الإمارات تحتل الريادة في رعاية واقتناء وعرض وترويج الأعمال الفنية.. ما جعل السوق الإماراتية سوقاً فنية مهمة، تستقطب كبار المهتمين والباحثين في عالم الفن، المعاصر منه بالخصوص، وقد بدأت هذا السعي منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد ساهمت الدولة مذّاك بشكل جدي ومهم، في إغناء كل النقاشات الإقليمية والدولية حول الفن المعاصر.

  • عمل لـ مطر بن لاحج

لقد تمكنت الإمارات أن تغدو منصة وأرضية ثقافية وفنية مهمة في العقدين الأخيرين، بفضل معارضها الفنية التي تُقام كل عامين، وكذلك معارضها الفنية دائمة التغير والبحث عن وجوه جديدة ومتاحفها الراعية والحاضنة والمنفتحة على كل ما هو جديد ومغاير.. وقد طورت البلاد أيضاً سوقاً تعمل بمثابة صوت إقليمي للفنانين، وكل ذلك في ديناميكيات واستمرارية للمشهد الفني بهذه الجغرافيا العربية العريقة.
ولأن سمة الفن، كما هي سمة كل أشكال الحضارة، التغير والتطور فقد غيّر الفن من جلده، لينحو خارج المألوف الكلاسيكي والحداثي، نحو ما بعد الحداثة وفنونها المسماة المعاصرة. وقد وجد الفنان العربي نفسه منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي ملزماً أن يلج هذا البراديغم الجديد، الذي ينفتح على ميادين إنسانية كبرى، بما فيها الأنثروبولوجية والسوسيولوجية والفلسفية والتاريخية والمجتمع الاستهلاكي المعاصر، مجتمع ما بعد الصناعة.. ولم تكن الإمارات في معزل عما يحدث في عالم الفن، إذ اتجهت منذ ذلك العقد إلى «تطوير آليات ومشاريع وتراكيب جديدة في الفن، ومنها ظاهرة المفاهيمية في الفن، وهو فن اشتغل عليه الرائد حسن شريف، الذي شكل في حينه صدمة لمتعاطي الفنون، وتغييراً واضحاً في تلقي الخطاب الفني»، كما يؤكد الكاتب عثمان حسن. 
بينما أثّرَ حسن شريف، لكونه أول فنان عربي مفاهيمي معاصر، على الأجيال التي جاءت من بعده، فقد ساهم في تطوير الرؤية الفنية العربية، وأقول العربية ليس بالمعنى اللغوي فحسب بل بالمعنى الانتمائي، فهذا المفهوم تجاوز معناه الإثني، ليغدو حاملاً لمعنى الانتماء الحضاري وقد يتجاوز حتى الجغرافي، فالعربي هو من يقدم نفسه على أنه كذلك، وبالتالي، فالتطور الفني مشترك بين كل أطراف هذه الجغرافيا الكبرى، وإن يحدث تغير في بقعة ما فهو يمس كل الأماكن الأخرى.
لقد شكلت الإمارات، كما وضحنا، منبع الفن العربي المعاصر، والذي بدأ فيها مفاهيمياً، وتشكل الآن عاصمته لما توليه من اهتمام كبير، إذ «عملت هذه المدن الثلاث (أبوظبي- دبي- الشارقة) على تطوير بيئة فنية متميزة وتكميلية، تحددها قيادة ومميزات كل إمارة»، وهذه الإمارات الثلاث تحمل كل منها مشروعاً مختلفاً عن الأخرى، لكنها مشاريع تصب في مصبٍّ واحد، ألا وهو تطوير وتقدّم الفن العربي، وجعله في مصاف العالمية. 

  • عمل لـ ابتسام عبد العزيز

ودشنت الإمارات مشاريع فنية معاصرة رائدة، استقطبت مؤسسات رعاية وعرض ومتاحف كبرى في مختلف بقاع العالم، ما يجعل منها اليوم أحد أهم مراكز الاستقطاب الفني، الذي يهتم به كبار المروجين للأعمال الفنية، وحتى النقاد والباحثين في عالم الفن المعاصر، وقد ساهم في ذلك ما عرفته البلاد في السنوات العشر الماضية، من نمو هائل في المجالات الإبداعية والبنى التحتية. وقد أدركت دولة الإمارات أهمية الانفتاح المبكر على الفنون، بما فيها المعاصرة التي ستغدو عاصمة لها بعد عقود قليلة من الاشتغال الدؤوب، عماده الدعم والرعاية لهذا الشق الفني، الذي صار هو وجهة جل المشتغلين في القطاعات الفنية من فنانين وعارضين ومسوقين ومقتنين وحتى كتاب وباحثين ونقاد وإعلاميين.. ولهذا لم يكن من باب الصدفة أن نجد أعمال فنانين معاصرين إماراتيين تلقى رواجاً ونجاحاً علمياً، أمثال أعمال كل من شريف حسن ونجاة مكي وحمد كاظم وعبدالله السعدي وابتسام عبدالعزيز وليلى جمعة... وغيرهم، ولم يكن هذا الانفتاح مقتصراً على الفنانين الرجال، بل سعت الإمارات أن تفتح أبواب المعاصرة والفن في وجهة النساء المبدعات أيضاً، وعياً منها بأن تطور المجتمع والثقافة لا يمكن أن يحدث بمعزل عن تقدم وتطور نسائه. 
ولم يكن الفن الإماراتي منعزلاً عن الأسئلة الكبرى التي عرفتها باقي البلدان العربية، والمتعلقة أساساً بسؤال الهوية والتراث، ويمكن القول بأن الفن المعاصر في سعيه إلى تجريب أشكال بصرية جديدة، اتجه جهَة الفنون البدائية والتراث المحلي، في محاولة لإعادة اكتشاف التراث، وإعادة صياغة جمالياته بشكل معاصر، ونلمس هذا المعطى في تجربة الإماراتي مطر بن لاحج، التي تتقاطع وطبيعة البلد، وما يمتلكه من إرث حضاري، وما يختزنه من موروث جمالي، والاهتمام بالتراث يعني الاهتمام بجذور الإنسان المشتركة، وإعادة الحفر الأركيولوجي في الشيء الذي لا يتوقف عن مطاردتنا وتشكيلنا والمسمى «تراثاً»، فكما يقول هايدغر: «ما زلنا نرى أن تراثاً يوجد وراءنا في حين أنه يجيء صوبنا، لأننا معرضون إليه، ولأنه قدرنا».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©