الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبد الله الغذامي يكتب: الحقيقة ليست دوماًً جميلة

د. عبد الله الغذامي يكتب: الحقيقة ليست دوماًً جميلة
16 يوليو 2020 00:10

عبارة قالها الحكيم الصيني لاو تزو: الحقيقة ليست دوماً جميلة، لأن الناس لا يودون سماع ما يزعج سكينتهم، ويفضلون الاطمئنان لأوهامهم، وقد نتقبل بقاء الوهم ونفضله على تكشف الحقيقة، ولو علم الناس ما في قلوب الناس، لما تعايشوا، ولذا يفضلون قانون المداجاة، وهي إخفاء المشاعر لأن كشفها يفضي للتباعد، ورب كلمة مجاملة عابرة صنعت ما لا تصنعه المكاشفة، أما كون الحقيقة ليست دوماً جميلة، فهذا يتمثل في لغة الدعاية في ثقافتنا المعاصرة، التي تفعل ما لم يفعله السحر والشعر من قبل في تسويق البضاعة بسبل خلابة، تتوسل بالنغم والصور البصرية والإيحائية، وتوظف المجاز لتخلب لب الجمهور وتغريه بالبضاعة حتى وإن لم يك يحتاجها، ولقد جرى قلب معادلات الشراء والتسوق بمثل ما تم حرف الذائقة في الملبس والمشرب عبر لغة الدعاية والتسويق، وأصبحت الدعاية ملحمة العصر واحتلت فضاء السمع والبصر، ورغم معرفة الناس بأنها دعاية، لكنهم يسلمون لها ذوقهم ويسمحون لها بتحديد خياراتهم، ومن هنا فإن الكلمات الجميلة تستطيع جعل الزيف حقيقة، بينما تظل الحقيقة وحدها هي غير الجميلة، لأن الإنسان يفضل الهروب لمتعته الآنية مهما جنى على جسده وصحته، وها هي السمنة وأمراض التغذية تزداد بين البشر، ويأكلون الكلمات الدسمة رغم زيفها، ويظلون راضين عن فعلهم، مما يؤكد دور الحواس في توجيه الذوق، ومن ثم التغلب على العقل، ولم يعد الطعام واللباس مادة عقلانية ولا منطقية رغم بلوغ الإنسان درجات عليا في الفهم والوعي، لكنه أمام طعامه ولباسه يرضى أن يكون غير عقلاني، ولن يرتضي المنطق معياراً للملبس ولا للمطعم، وترى الناس تنساق للموضة، فتتخلى عن ملابس جيدة من حيث مادتها ونفعها لمجرد أن الموضة أدبرت عنها، وسنتخلى عما نختاره اليوم كلما جاء بديل يلغيه، ويحل محله ما تختاره لنا الموضة، مما يجعل الموضة هي المجاز البلاغي العصري.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©