الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تأملات في «الأفلام البطيئة»

تأملات في «الأفلام البطيئة»
6 أغسطس 2020 01:27

كتابة: نادين ماي
ترجمة: أمين صالح

منذ العام 2003 انتشر مصطلح «سينما البطء» الذي تغيّر إلى «السينما البطيئة». واحتاج الأمر إلى عقد من الزمان ليظهر أول كتاب متخصص في معالجة هذه الظاهرة، للناقد سونغ هوي ليم، والذي علّل هذا التأخير، وعدم انتشار المفهوم، إلى موقف الأكاديميين الرافض منه. 
الكتاب، في الواقع، ليس مخصصاً بأكمله لمناقشة وتحليل هذا المفهوم في شموليته، بقدر ما هو استنطاق لأفلام المخرج التايواني كاي مينع ليانغ والتي من خلالها يتطرق إلى جماليات البطء، ويقدّم دراسة شيّقة ومثيرة للاهتمام عن أفلام كاي.

طوال العقد الأخير ظهرت بحوث متفرقة، وعلى نحو متكرر، حول ظاهرة السينما البطيئة. 
لكن ما هي السينما البطيئة؟ هل هي نوع؟ حركة؟ أم شيء آخر؟.. في الواقع، أنا لم أحسم هذا الأمر، ولم أحدّد تعريفاً، لذلك لا تعنيني هذه المسألة كثيراً. قد يهتم بها الباحثون من أجل تصنيف هذه الأفلام ووضعها ضمن فئات قائمة ومعروفة. المتفرج على الأرجح لا يكترث بهذا ولا يضيّع دقيقة واحدة في محاولة معرفة هذه الأشياء. 
الأفلام البطيئة لا تحتوي إلا على القليل من الحوار، والموسيقى تكون نادرة.. وهي الحقيقة التي تبطئ عملية قراءة الفيلم إلى حد بعيد، حيث يكون المتفرج معتمداً على عينيه. هذا إلى جانب القليل من حركة الشخصية وحركة الكاميرا، إذ يبدو الكادر السينمائي ساكناً، وبالتالي ينبغي قراءته بطرق مماثلة للوحات أو أشكال الفن السكوني الأخرى. 

سينما الضجر
غالباً ما يُنظر إلى السينما البطيئة، خطأ وظلماً، على أنها مثيرة للضجر. لكن أحداً لا يتساءل عما يجعل الأفلام تبدو مضجرة: هل هي اللقطات الطويلة التي لا يملك الجمهور القدرة على احتمالها؟ هل هو الافتقار إلى الحوار والذي يدفع الجمهور إلى الاستغراق في النوم؟ أم هو فراغ الكادرات مما يفقدها الحيوية القادرة على جذب انتباه الجمهور؟ 
من وجهة نظري، المشكلة تكمن في أن الأفلام البطيئة تُعرض في الموقع الخطأ، الموقع غير الصالح وغير المناسب. صالات السينما كانت منذ زمن طويل الموقع الوحيد في مجال السينما للترفيه عن الناس، والهروب من الواقع. الأفلام البطيئة تبدو مضجرة لأن الموقع يصوغ أو يحدّد توقعات المتفرج. نحن لا نذهب إلى صالة السينما كي نتأمل فيلماً، بينما المتاحف والمعارض الفنية كانت دائماً مكاناً للتأمل.
السينما البطيئة تعمّم حالة التأمل. ويبدو جلياً أن فضاء الجاليري هو المكان الأنسب لمشاهدة هذه الأفلام. صالة السينما كمكان يقتضي ضمناً أن يجلس المتفرج ويبقى في مقعده حتى نهاية العرض. لكن قواعد السلوك التي تفرضها صالة السينما، والمقبولة والمتبناة من قِبل الجمهور على نحو واسع، لا تلقى ترحيباً من عدد من صناع الفيلم. 
يقول المخرج الفلبيني لاف دياز: «أنا لا أؤمن بالمفهوم القائل أن عليك أن تجلس في صالة السينما ولمدة ساعتين تشاهد قصة مكثفة ومضغوطة في هذه الفترة الزمنية. السينما يمكن أن تكون أي شيء. وأفلامي لم تعد منفّذة قصداً لكي تُعرض في صالات السينما». 
 
شيوع الأفلام البطيئة
أفلام كاي مينغ ليانغ هي جزء مما يسمى «سينما التأمل المعاصرة» أو «السينما البطيئة» والتي لها في تاريخ السينما أسلاف، كما في أفلام روسيليني وأوزو وآخرين، واتخذت تعريفاً أوضح في أفلام أنتونيوني في بداية الستينيات، واستمرت كنزعة في أفلام شانتال أكرمان، جان ماري ستروب، أنجيلوبولوس وآخرين، ووصولاً إلى الثمانينيات والتسعينيات حيث أصبحت حركةً يمكن تمييزها أو الاعتراف بها، مع أعمال مخرجين مثل كيارستمي، كاي مينغ ليانغ، هو شاو شين. والآن صارت توجد كشيء أشبه بالنموذج أو المعيار، إذ لا أحد ينكر حقيقة أن اللقطات المديدة، وحركة الكاميرا الطفيفة، وما يمكن أن يُسمى كبحاً أو تحفظاً درامياً، والتوكيد على الخارجي أكثر من الذاتية أو الخلق التقليدي للشخصية، هي الآن شائعة في محيط المهرجانات السينمائية. 
 
الفيلم والزمن
غالباً ما يتحدثون عن السينما البطيئة في سياق الزمن الميت، الزمن الخامد. بعد أن ينتهي الحدث، يبقى الكادر خالياً لعدة ثوانٍ، والذي يختبر صبر المتفرج. أفلام المخرج الفلبيني لاف دياز ليست مختلفة، لكن استخدامه للأمد الطويل والزمن الخامد يتّخذ بعداً آخر. إنه يخلق شيئاً أسميه زمن الموت. الموت دائماً يأتي على مهل في أفلامه. 
إني اكتشف المزيد من العلاقات بين البطء والذاكرة. لقد اعتدنا إلى حد بعيد على الطريقة التي بها تُروى القصص. خذ كمثال المقاومة التي نبديها تجاه الأفلام الطويلة. نحن لم نتعوّد على مشاهدة أفلام تستغرق مدّة عرضها ست ساعات أو أكثر. ما يناسبنا، حسب ما تعوّدنا عليه، هو الفيلم الذي يدوم تسعين دقيقة لطيفة، بهيجة، وموجزة. ولا بأس من أن يستغرق الفيلم 120 دقيقة.
أثناء الدراسة، علّمونا أن القصة تحتاج أن تحتوي بنيتها على ثلاثة فصول، مع مقدّمة، ذروة، وما شابه. هذه خصائص قياسية للقصص، حتى يومنا، رغم محاولات الأفلام الفنية، غير الرائجة، اختراق هذا التقليد أو العرف. 
لقد خلقنا شبكة من التوقعات المحكمة في ما يتعلق بما هو مسموح، وما هي الطريقة التي بها ينبغي أن نروي قصصنا، أو ينبغي أن نكتب عنها، أو حتى نحقّق أفلاماً عنها. بالنسبة لي، السينما البطيئة، أو الأفلام التي يستغرق عرضها ساعات طويلة، والمخرجون الذين يشاركون في تلك الأفلام، هم أولئك الذين يخفّفون من هذا الصمت، الذين يساهمون على نحو حقيقي وصادق في الذاكرة الثقافية.

اللقطة الطويلة المتواصلة
عند الحديث عن السينما البطيئة، غالباً ما تكون مسألة اللقطة المديدة من القضايا البارزة التي تتم مناقشتها في هذا السياق. وأنا أختلف مع هذا النزوع لجعل موضوع اللقطة المديدة مادة أساسية في الحديث عن السينما البطيئة. ذلك لأن استخدام مثل هذه اللقطة ليس محصوراً في الأفلام البطيئة بل نجدها موظفة حتى في أفلام الاتجاه السائد، بل حتى في المرحلة المبكرة من اختراع السينما، عندما لم يتم بعد اكتشاف المونتاج، وكان على الحدث أن يستمر ويُصوّر من البداية إلى النهاية من دون قطع.

المصدر: موقع The Art(s) of Slow Cinema

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©