الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فلسفة الوعي

فلسفة الوعي
3 سبتمبر 2020 00:31

يعرِفُ المهتم بالفلسفة المعاصرة ديفيد تشالمرز أستاذاً محاضراً في الفلسفة في الجامعات الأميركية والأسترالية والكندية، وبإنتاجاته الفكرية الغزيرة وإدارته للمؤسسة العالمية للفلسفة (PhilPapers)، التي تعمل على توثيق ونشر البحوث الفلسفية. وتشالمرز، 54 عاماً، فيلسوف أسترالي نشيط في الميدان، يقدم أفكاراً استثنائية في مجال العلوم العصبية الإدراكية (Cognitive Neural Science)، ويهتمُّ بفلسفة العقل والوعي وأُسس العلوم المعرفية ونظرياتها، وكذلك فلسفة اللغة والميتافيزيقا.

لأزيد من عقدين، أثبت تشالمرز نفسه كمفكر رائد في الوعي. استهلّ مسيرته الفكرية والأكاديمية في الرياضيات، قبل التحول إلى العلوم المعرفية وفلسفة العقل. ليعمل على أطروحته «نحو نظرية جديدة للوعي» لسنوات، قبل نشر كتابه الأول، حيث استعاد الخطاب الفلسفي حول الوعي. وقدم إسهامات مميزة ومجددة في الفلسفة باستكشاف «مشكلة الوعي الصعبة» كما سمّاها، أو مشكلة شرح التجربة الذاتية، وقد سعى إلى تفكيك الحركة الجوانية للوعي وتفاعلها مع الذات في علاقة مع الطبيعة وزحف التكنولوجيا. ومنذ ذلك الحين، يقدم تشالمرز بحوثاً مهمة في الربط العصبي للوعي (The NCCs)، الذي يعتبر حجر الزاوية لآخر ما يشتغل عليه المفكرون حول العالم.

في البدء.. أسئلة
قدم تشالمرز بحوثاً مهمة حول فلسفة العقل والوعي، جعلته نقطة وصل بين الفلسفة القديمة والمعاصرة. فبعدما شرع الباب على فلسفة الوعي بأسئلة من قبيل: كيف تؤدي العمليات الفيزيائية في الدماغ إلى تجربة ذاتية؟ وكيف نميّز المنبهات الحسية وتفاعلاتها؟ وكيف يدمج الدماغ المعلومات مع تنوّع المصادر؟ وكيف يستخدم الدماغ هذه المعلومات للتحكم في السلوك؟ وكيف يمكن للإنسان أن يعبر عن حالته الداخلية؟ وماذا سيحدث عندما تصبح الآلات أكثر ذكاءً من البشر؟

متاهة التجربة الواعية
في بحثه المرجعي: «متاهة التجربة الواعية»، اشتغل تشالمرز على الإجابة عن هذه الأسئلة المرتبطة بالذات والآليات الموضوعية للنظام المعرفي. ثم تلاه ببحوث تستقصي المستقبل وعلاقته بالتكنولوجيا والواقع الافتراضي والوعي الرقمي والذكاء الاصطناعي. ومن أهمها: «متاهة التجربة الواعية» و«التفرد: تحليلٌ فلسفي». 
وكانت الحجج الفلسفية الثلاث: الادعاء المعرفي والادعاء الشكلي وطبيعة الميتافيزيقي، محورَ بحثيه: «مواجهة مشكلة الوعي» و«هل تتطلبُ المعقولية الاحتمال؟» الذي بات بحثاً مرجعياً لدراسة الوعي. وعاد إلى فلسفة ما بين الحربين (ظاهرة العقل) في ورقته «الوعي ومكانته في الطبيعة»، إذ «لا يتناسب الوعي مع مفهومنا للعالم الطبيعي، ولإيجاد مكان للوعي ضمن النظام الطبيعي، يجب علينا إما مراجعة مفهومنا للوعي، أو مراجعة مفهومنا عن الطبيعة،» كما يقول. وهذا ما طوّره في بحثه «التحليل المفاهيمي والتفسير الاختزالي»، حيث أعادَ فتح النقاش حول فلسفة كانط وفريجه للعمل على المعنى والعقل والأسلوب. كما أحيا الجدال القائم حول العقل من ديكارت ولوك إلى برنتانو وهوسرل في بحثه الشيّق: «الطابع التمثيلي للتجربة».
وكانت كل هذه البحوث العبقرية، إلى جانب الكثير من المحاضرات، وسيلة تشالمرز لغاية تأليف كتبه المميزة، التي جعلته في مصاف أهم فلاسفة العصر الحالي.

العقل الواعي، 1996
ما هو الوعي؟ وما علاقته بالذات والمشاعر المتنوعة بمفهومها العميق مثل الحب والكراهية والمتعة الجمالية والتّوق الروحي؟ تعتبر هذه الإشكالية من بين أكثر القضايا إثارة للجدل بين العلماء والمفكرين حالياً، مثل دينيت وإيدلمان وكريبكه. وكلهم يناقشون ما حدث، وأصبح يسمى «حروب الوعي». وفي كتابه الأول «العقل الواعي»، يقدم تشالمرز تحليلاً مُقنعاً لهذا النقاش المحتدم، كاشفاً النقاب عن نظرية جديدة للوعي: «رفض الاتجاه الاختزالي السائد للعلم»، بتحليلها الاستفزازي لعلاقة العقل والدماغ.
يكتب تشالمرز مستعيناً بلغة ذكية، آخذاً بالقارئ في جولة طويلة إلى التداعيات الفلسفية للوعي عبر التاريخ. ويكشف عن فشل العلوم المعرفية المعاصرة وعلم الأعصاب في تفسير كيف؟ ولماذا؟ تنشأ الأحداث العقلية من الأحداث الفسيولوجية في الدماغ (علم وظائف الأعضاء-Physiology). ويقترح بدلاً من ذلك أنه «يجب إعادة فهم التجربة الواعية -ككيان غير قابل للاختزال على غرار الخصائص الفيزيائية مثل الوقت والكتلة والمكان»، ويقترح إعادة دراسة بنية وقوانين التجربة الواعية وإعادة تفسير العقل.

فلسفة العقل، 2002
يستكشفُ تشالمرز علاقة العقل البشري بالجسد وبالعالم، وكيف يمكن إدراك التجربة الذاتية بموضوعية؟ كما يجيب عن تساؤلات: ما هي طبيعة الإيمان والرغبة؟ وما الذي يمكننا معرفته عن العقول الطبيعية والاصطناعية؟
ويدورُ كتاب «فلسفة العقل» حول طبيعة العقل المُحيّرة في ستين مقالة عن تاريخ فلسفة العقل من مساهمات ديكارت إلى الفلسفة التحليلية ثم المناظرات الطليعية المعاصرة. ويعتبر الكتاب بصفحاته الـ600 مجموعة أكاديمية شاملة ومرجعاً مهماً للطلاب والباحثين في ميدان فلسفة العقل والوعي.

طابع الوعي، 2010
يواصل تشالمرز عمله عن الوعي، ويوسّع أفكاره وحججه حول طبيعة الوعي. ويعمق إجابته عن إشكالية: «الوعي وملاءمة الذات في عالم موضوعي»، مستخلصاً ضرورة تطوير علم الوعي بناءً على التجربة الإدراكية.
ويبني تشالمرز «إطاراً إيجابياً لاحتواء الوعي واعتباره علماً برؤية غير اختزالية لميتافيزيقا الوعي» كما يقول. ويرد على العديد من نقاد كِتابه «العقل الواعي»، ثم يشرح كيفية تفكيرنا ومعرفتنا بالوعي، ووحدته، ومدى تأثّره بالمحيط.

تركيب العالم، 2012
يطور تشالمرز صورة تجريبية عن الواقع، تمكن من «استنباط كل الحقائق من فئة محدودة من الحقائق الأساسية عبر التفكير المثالي». وقد استوحى هذه الصورة من نظرية الفيلسوف والمنطقي الألماني رودولف كارناب، الذي يعتبرُ أحد رواد الفلسفة التجريبية. ويجادل تشالمرز بأن «نسخة من مشروع كارناب يمكن أن تنجح الآن، بتوفر العناصر الأساسية وأساليب الاستنباط الصحيحة، فيمكننا تركيب العالم بالفعل». وتدعو أطروحة الكتاب إلى التدقيق في نظرية «المعرفة الميتافيزيقية» ونظرية «المعرفة» لخدمة العالم.
ويدافع تشالمرز عن تحليل غوتلوب وفريجه للمعنى، ويدحض حجج التحليلي فان كواين. كما أنه يستخدم قابلية التدقيق لتحليل وحدة العلم، للدفاع عن الميتافيزيقية المفاهيمية، وتأسيس استجابة بنيوية للشك. واستناداً إلى محاضراته عن جون لوك في 2010، يفتح الكتاب، أيضاً، نقاشاً حول القضايا الفلسفية المركزية المتعلقة بالمعرفة واللغة والعقل والواقع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©