الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإبداع.. هل يخرج من رحم المعاناة؟

الإبداع.. هل يخرج من رحم المعاناة؟
8 سبتمبر 2020 01:32

هزاع أبوالريش (أبوظبي)

الإبداع، عبارة عن ومضة تسكن الذات، استفزت من مسببٍ ما، ثم خرجت للواقع بصيغة ملهمة للآخرين، وقد يكون ذلك لأثر خارجي أو داخلي، ولكنه، على كل حال، يعد محفّزاً أساسياً لمكامن الطاقة في النفس البشرية. ولعل هذا ما يستدعي هنا تلك المقولة «الإبداع خرج من رحم المعاناة»، وهي جملة فلسفية تخرج من أعماق الفكر لتطفو على سطح الواقع، مرسخة معتقداتٍ تدور حولها تساؤلات عديدة، ويبقى السؤال ذاته مطروحاً دائماً لدى كثير من الباحثين والنقاد: كيف يؤثر الألم في الإبداع؟
وفي هذا السياق، قال الكاتب والناقد محمد نور الدين: إن الألم والحزن قد يكون مسبباً رئيسياً في صياغة الإبداع والتعبير عن ما بداخل الإنسان بصورة صادقة تلامس شغاف نفس المبدع، لأنها أكثر صدقاً وارتباطاً بالمشاعر حين يعتصر الإنسان نفسه، فالمبدعون دائماً ما يبحثون عن ذواتهم وما يعبر عن وجدانهم من مشاعر، وحين يجدونها في تعبيرٍ ما، بشتى الوسائل الإبداعية الملهمة والمختلفة، ينجذبون نحوه دون تردد، ولذلك فالإبداع يكون عادة قريباً من الذات، ومن الآخرين، ويلامس نفوسهم ووجدانهم، مؤكداً، أن الحزن يكون أحياناً منحى إنسانياً معبراً؛ لأن المشاعر فيه تتجرد من كل شيء، وترتكز على مرحلة مهمة من الحياة، ويشعر بها الجميع، وتلامس قلوب الجميع أيضاً.
وبدورها، قالت الكاتبة مريم الحمادي: إنني أعتقد أن الألم ليس مسبباً رئيسياً في الإبداع، ولكنه قد يكون مؤثراً على إنتاجية المبدع، فهناك العديد من الشخصيات التي كانت تعيش في رغد من العيش والرفاهية، ولكنها أيضاً قدمت الكثير من الإبداع الذي أثر على المتلقين وألهمهم، مشيرة إلى أننا يجب أن ندرك أنّ محفز الإبداع ليس محصوراً في الألم، وإنما يكمن في غريزة تسكن الفرد، وتجعله يخرج ما بداخله، سواء كان يمر في حالة من الحزن، أم السعادة، ولكن لابد أن هناك مسبباً ساهم في تحفيز ما في داخله لإظهار شيءٍ يبهر الآخرين وينال إعجابهم.
ومن جانبه، أوضح الدكتور الشاعر شهاب غانم، أن المعاناة سبب رئيس وقوي أحياناً للإبداع، ما في ذلك شك. فمعاناة المبدع قد تدعوه للتأمل والإبداع والسمو بجمال الإبداع فوق ألم المعاناة والتعبير عنها فنياً، مما يساعد الفنان المعبر بالشعر والأدب أو الموسيقا أو الرسم، أو غير ذلك من وسائل الإبداع، على الارتفاع فوق الجراح والألم، واستعادة التوازن النفسي. وكأن تركيز المبدع يتحول للإبداع نفسه، وينسيه ولو قليلاً لبعض الوقت، المعاناة نفسها، مضيفاً: ولكن الإبداع كذلك، قد يأتي من السعادة الغامرة والفرح والحب والإعجاب بالجمال. وفي كل الحالات، إما أن يكون الإبداع جزءاً يسهم في ارتقاء أبناء أمته للنهضة ورفعة الوطن، أو لتسجيل نصر عظيم أو حدث جسيم، وسببه حافز خارجي، ليس بالضرورة أن يكون ألماً.
وبيّـن الإعلامي جمال مطر، أن المعاناة الحقيقية تجر للإبداع إذا كان صاحبها يحمل بذرة التميّز، والإبداع بحاجة إلى وقود، والألم هو وقود الإبداع، مؤكداً، أنه حين يلامس الألم النفس البشرية، يكون الإبداع في حينها من أسمى وأرقى ما يقدمه الإنسان، ويشعر به الآخر، لأنه جاء صافياً نقياً من الروح إلى الروح.
وتابع: أحياناً ما يكون المبدع الحقيقي بحاجة إلى محفزات، ومعاناة، كي ينجز لنا الهبات الإبداعية، ويخرج ما بداخله إلى النور كاملاً غير ناقص، والمعاناة ليس بالضرورة أن تكون مادية وتأتي من الخارج، بل إن هناك معاناة قد تكون في داخل الإنسان، أي أنها تأتي من الداخل، ولذلك فالإبداع لا يفرق ما بين غني أو فقير، فجميعهم قد يعيشون المعاناة، باختلاف صورها وأساليبها المؤثرة على النفس البشرية.
وبدورها، قالت الشاعرة شيخة المطيري: إن العلاقة بين الإبداع والمعاناة قضية يؤمن بها كثير من الناس، وربما يظنون أن الإبداع لا يخرج إلا حين يكون الأديب في حالة حزن وانكسار، ربما لأن هذا هو الوضع السائد في تصورهم، وربما أيضاً لأن البشر حين يحزنون ويتألمون، يبحثون عن شيء يشبه ألمهم، ولذلك نجد التماهي والانسجام يبدوان على وجه أوضح في قصائد الألم، موضحة: ولكن الحقيقة، أو لنقل ما أميل إليه، أن الإبداع لا يقف خلفه ولا يحركه سوى الإبداع في حد ذاته، وربما لو سألت شاعراً عن أصدق قصيدة معبرة عن حزنه وألمه، فلن يجد إلا إجابة واحدة «لم أكتب بعد ما يعبر عن ألمي».
وتابعت: وبالنسبة لي، فإن القصيدة التي أتخيل أن أكتبها وتكتمل في روحي لا تأتي على الورق مشابهة لخيالي. الألم أحياناً قد يجعلك تغص بالكلمة والحزن والدمعة، فلا أنت تذرفها، ولا أنت ترجعها من حيث أتت! مختتمه، الأهم من كل هذا أن تقدم ما تنتظره منك الإنسانية، فلا تكون سطحياً، أو مباشراً جداً في إبداعك، وعليك أيضاً أن لا ترتقي سماءً بعيدة، كن كما أنت، عبر عن حزنك وفرحك وحكمتك، واكتب لتستمر العلاقة بين الإبداع وبين الجمال.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©