الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

متحف عجمان يحكي ثقافة البشر وعراقة الحجر

مجسم يعكس ملامح الحياة القديمة في الإمارات (أرشيفية)
10 سبتمبر 2020 00:09

إبراهيم الملا (الشارقة) 

يقدّم متحف عجمان، وهو على مشارف الاحتفال بمرور ثلاثين عاماً على إنشائه، صيغة تفاعلية بين الإنسان بتأثيره المعرفي وسلوكه الاجتماعي، وبين المكان بحضوره الحميمي، وذاكرته المترجمة لوقع الحنين وتجليّاته، كما يستعرض من خلال محتوياته المتنوعة، العلاقة الجامعة بين ثقافة البشر وعراقة الحجر، مستفيداً من غنى التراث الشعبي الإماراتي، وما يختزنه من عادات وفنون ومظاهر فلكلورية خصبة، وآثار موغلة في القدم، كي يحقّق الفائدة الذهنية والمتعة البصرية لزوّاره وللباحثين عن الدلائل الملموسة والمتصلة بالذاكرة المحليّة، كما يتيح فرصة ذهبية للسيّاح والشغوفين بتاريخ عجمان الثقافي والاقتصادي والسياسي، المتداخل مع تاريخ الإمارات وشبه الجزيرة العربية عموماً، إضافة للثقافات القادمة من مناطق مجاورة، والتي لقيت ترحيباً من الأهالي، وصارت جزءاً من المنظومة الاجتماعية في المكان.
ويعكس متحف عجمان، الذي يقع في قلب منطقة البستان، ويتوسّط المناطق الحضرية الحديثة في الإمارة، القيمة الثقافية للمدن العصرية، وكيفية تطورها واحتفاظها في ذات الوقت بالذاكرة التأسيسية التي بلورت حضورها، وأكسبتها هويّة مكتنزة بخصوصيتها وأصالتها. يضم متحف عجمان أقساماً متعددة، ومرافق عرض متنوعة تشمل الظواهر التراثية القديمة، وجانباً من الآثار واللقى القديمة المكتشفة في منطقة «المويهات» بالإمارة، وتقدّم منصات العرض في المتحف صوراً من واقع الحياة في الماضي، ومجسّمات تعكس أنماط المعيشة التي خبرها آباؤنا وأجدادنا في العهود البعيدة، وبالتالي يعتبر المتحف وعاءً للذاكرة المحلية، ومكاناً حيوياً وتفاعلياً يقدم نماذج من الفلكلور المحلي وبعض الصناعات والمهن الشعبية التي اندثرت واختفت من واقعنا المعاصر، كما يوفّر المتحف أيضاً وسائل بثّ معرفي متميزة في أسلوبها ونوعيتها. أمّا في طريقة عرضه للمقتنيات، فإن المتحف يحقّق نوعاً من الجاذبية والتنويع السمعي والبصري الذي يشبع الجانب الجمالي عند الزائر، كما أن طريقة العرض هذه تمنح المتعة والفائدة لكافة الفئات العمرية، وخصوصاً طلبة المدارس والكليات والمعاهد والجامعات، الذين فتح لهم المتحف قنوات تعليمية وتثقيفية. 

لا يحتفظ متحف عجمان في أقسامه الداخلية بكنوز التراث المحلي وبالمكتشفات الأثرية فقط، ولكنه يفصح أيضاً من خلال طرازه المعماري الخارجي عن عراقة مرتبطة بأساليب البناء، التي تميز بها الحصن المنيع للأسرة الحاكمة في إمارة عجمان، كموئل ومستقر لهذه الأسرة أولاً، وكمقر لإدارة شؤون الإمارة ثانياً، فكان هذا الحصن، منذ أواخر القرن الثامن عشر، مصدراً للهيبة والشموخ، بعلوّه الملحوظ وجدرانه السميكة والحصون المنيعة المحيطة بأركانه، وكان له دور سياسي واجتماعي حاضر وفاعل، انعكس على منظومة الحياة العامة بكافة أبعادها.
وقد استخدمت المواد المحلية في بناء الحصن، مثل حجارة البحر المرجانية والجص، وتم تسقيفه بالجندل، وهو نوع من جذوع الأشجار يتم جلبها من شرق أفريقيا، وقد تعرض الحصن عام 1820م لقصف السفن الحربية البريطانية، إذ تعرض للتدمير في وقتها، حتى أعاد بناءه المغفور له الشيخ راشد بن حميد الأول. ويعد الباحث والراوي الراحل إبراهيم صالح أيقونة متحف عجمان، حيث كان مسؤولاً عن محتويات التراث الشعبي بالمتحف، وكانت له بصمة واضحة وصريحة في تحويل التصوّر الذهني لأقسام ومكونّات المتحف إلى واقع تفاعلي وملموس، فمن خلال الأفكار والمقترحات التي قدمها صالح للمسؤولين عن المتحف، صار للمكان هويّة مستقلة تميزه عن المتاحف الأخرى، وتبعث فيه روح عجمان القديمة بكل انشغالاتها الاجتماعية، ومهنها اليدوية، وصناعاتها التقليدية، وطرائق العيش فيها.  
ويذكر الراحل إبراهيم صالح، في لقاءات سابقة معه، أن مشروع المتحف بدأ بفكرة طرحها صاحب السمو حاكم عجمان، خصوصاً بعد العثور على اللقى الأثرية المهمة في منطقة «المويهات» للحفاظ عليها، ومن ثم عرضها على الجمهور، وكان المتحف حصناً مهجوراً لسنوات طويلة، من أواخر السبعينيات إلى أواخر الثمانينيات، وبناء على توجيهات صاحب السمو حاكم عجمان، تم ترميم الحصن من قبل البعثة البحرينية التي ساهمت بجانب الترميم في تنسيق وتجهيز بيئة العرض الداخلية، وقد شارك صالح البعثة البحرينية في جمع واقتناء المواد التراثية بمختلف صنوفها والبيئات التي خرجت منها، وكان من المؤسسين الأوائل لأقسام وغرف وطرق تصميم العرض في المتحف، بالتعاون مع أول مدير للمتحف وهو البحريني عبدالوهاب الخاجة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©