الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نقلاً عن «النهار العربي»: الشيخ زايد في «الصقر» نظر إلى المستقبل وأسس الدولة الحديثة

الشيخ زايد من المصدر
20 سبتمبر 2020 17:46

يختار الروائي الفرنسي الشهير جيلبير سينويه سيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ليكتب من خلالها تاريخ نشوء دولة الإمارات العربية المتحدة وتأسيسها، دامجاً وفق منهجه الروائي المعروف، بين التوثيق والسرد، ومتكئاً على مصادر ومراجع، أجنبية وعربية عديدة، ومعتمداً قدرة المخيّلة على نسج المعطيات القائمة في رواية تاريخية، موثقة ومتخيّلة في آن واحد. نجح سينويه في هذا النوع من السرد التاريخي، وله في ميدانه أعمال مهمة تغوص في أعماق التاريخ العربي والمشرقي وتقيم جسراً بين الحضارتين الشرقية والغربية. ويعدّ سينويه صاحب مدرسة في الرواية التاريخية الجديدة رسخها انتماؤه المزدوج إلى فرنسا التي تضرب فيها جذور أسرته، والى مصر التي ولد فيها ونشأ، وتعلم في مدارسها اللغة العربية واطلع في متاحفها ومواقعها الأثرية على الحضارات المتوالية من الحضارة الفرعونية حتى التراث الإسلامي. ولعل هذا الانتماء الفكري والروحي المزدوج والمنصهر ثقافياً، كان حافزاً له على خوض التاريخ الفرعوني والعربي، المسيحي والإسلامي، ليعيد كتابته في روايات توفق تمام التوفيق بين السرد والتخييل. وبعد روايات عن اخناتون وابن سينا وابن رشد والمسيح، وروايات عن مصر والنيل ودلمون وأرمينيا والقدس، ها هو يكتب رواية عن الإمارات من خلال سيرة الشيخ زايد الذي وجد فيه رمزاً للقائد المؤسس، المؤمن بالحوار الحضاري، والداعي إلى التسامح والساعي إلى التطوير والتحديث، هو ابن الصحراء الذي لم يتخلَ يوماً عن ميراث الأجداد والآباء وعن الجذور الضاربة في الصحراء المنفتحة على البحر.

سيرة الشيخ وتاريخ الإمارات

كان على جيلبير سينويه أن يتعمق في سيرة الشيخ زايد وتاريخ الإمارات والظروف الداخلية والعالمية التي أحاطت بمرحلة التأسيس، وكذلك أن يلمّ بتفاصيل سيرة الشيخ وميراثه وخصاله، كي يتمكن من إيفاء موضوع كتابه الذي حمل عنوان «الصقر» حقه وإيلائه ما يستحق من اهتمام وجهد، فليس بالسهل أن يُستعاد تاريخ الإمارات الذي يتقاطع مع مراحل عدة، ووقائع عربية ودولية، وأن تُعاد كتابته في صيغة روائية. وهذا يعني تآزر سينويه المؤرخ مع سينويه الروائي، بغية إبداع عمل هو وفيّ للتاريخ وأمين عليه، وسردي يطلق العنان للمخيلة الرحبة كي تتمكن من الإحاطة بشخصية الشيخ زايد الفريدة. وكانت الرواية صدرت بالفرنسية عن دار غاليمار في باريس، ثم ترجمها إلى العربية صالح الأشمر ترجمة متقنة، وصدرت عن دار الجمل. ولعل الرواية بأسلوبها السردي المتهادي ولغتها الجميلة والبعيدة من الاصطناع وجوّها الواقعي – الخيالي، تتوجه إلى جمهور متعدد الاهتمامات، وإلى أجيال عدة، من شباب وطلاب ومثقفين ونقاد وقراء عاديين.

يعتمد سينويه في روايته تعدد الرواة، موكلاً إليهم مهمة السرد، إضافة إلى ضمير الغائب الذي هو الكاتب نفسه الذي يمسك بزمام الرواية. ويستهلها بالشيخ زايد كراوٍ أول ورئيسي، محدداً تاريخ السرد وهو شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2004 والمكان هو العين. وكان الشيخ زايد ذرف حينذاك على السادسة والثمانين من عمره، كأن يقول: «أنا في السادسة والثمانين من العمر؟ أو أكثر؟ أو أقل؟ من فضائل الشيخوخة أن ذاكرة الإنسان لا تحتفظ إلا بالجوهري». لكن هذا العمر جعله على يقين من أنه يحتفظ بألف عام من الذكريات. هذه الذكريات تتراءى له وهو جالس على قمة كثيّب يتربع عليه مثلما كان يفعل في شبابه. لكنه من هناك لا يتذكر فقط، بل يرى مدناً بجادات عريضة وناطحات سحاب وحدائق ومزارع نخيل ومدارس وجامعات ومستشفيات ومتاحف وأحلاماً أخرى أصبحت حقائق. ويقول: «أخرجت من عمق الصحراء بلاداً يعرف أهل الغرب اسمها، فهل تعرفون اسمي؟ حسناً سأعلمكم به: اسمي زايد بن سلطان آل نهيان. أنا حفيد زايد الكبير. من قبيلة بني ياس». الشيخ زايد الذي رفع شعبه إلى مستوى الحداثة، كما يقول، مفتخراً بما أنجز، محافظاً على التقاليد التي ما برحت راسخة.

ذكرى الأجداد

يبدو هذا الاستهلال مؤثراً، فالشيخ يستعيد في هذه اللحظات الإنجازات التي حققها، وتاريخ الأمة التي صنعها، لمجد قومه. ويعترف أنه لم يكن وحيداً، بل صحبته ذكرى آبائه وأجداده، الذين تحمّلوا بصبر أعباء حياة صعبة في بيئة قاسية. ويستعرض أيضاً موجزاً لقرون شهدتها المنطقة وقد جاءت خلالها شعوب عدة: بدءاً من البرتغاليين الذين جاءوا في القرن الخامس عشر فأسّسوا وكالات تجارية وطوروا تجارة اللؤلؤ والذهب ثم غادروا، ثم الهولنديين، ثم الأتراك العثمانيين الذين لم يستطيعوا الاقتراب من أهل المنطقة، فاقتصر حضورهم على حاميات صغيرة أقاموها على التخوم الغربية من الخليج، ثم الإنكليز الذين وصلوا في القرن التاسع عشر ووضعوا البلاد والهند والخليج تحت حمايتهم لمصلحة العرش البريطاني، ورحلوا في العام 1971. ثم يسترجعه الحنين إلى الماضي، إلى تاريخ بني ياس، الذين حطوا الرحال على طرف الربع الخالي، في واحة ليوا، «المكان المقدس»، هذه المساحة الشاسعة المخيفة التي تحتلها آلاف من السهول الرملية والشجيرات والتي لا يغامر باجتيازها سوى الأبطال.
ولعل أجمل ما يصف به فكرة الانتماء أو الهوية الوجودية قوله: «نحن من البدو»، ويضيف: «ولا نزال في أعماق نفوسنا بدواً». ويتحدث عن ميزات الحياة البدوية وفرادتها وطبيعة أهلها قائلاً: «نحن صيادون، جمالون، مروضو صقور، شيوخ، رعاة، جوابو آفاق، وشعراء وتجار أيضاً». ويتوقف عند الشعر، هو الذي كتب كثيراً من القصائد، في أوقات الوحدة والشقاء أو السعادة، عندما تتفتّق القريحة بعفوية عن أبيات من الشعر كومض البرق في الليل.

يتذكر الشيخ جده الذي أصبح حاكماً عندما بلغ العشرين من عمره عام 1855 وكان يشع بالحكمة وبُعد النظر، وطوال مدة حكمه المديدة (55 عاماً) شهدت البلاد فترة من النفوذ وعلو المكانة. وقد ألغى الرق وحض على تعليم الفتيات وبسط سلطانه على العديد من القبائل. وفي ما يشبه اللفتة التاريخية يقول الشيخ، إن الشعب كان منقسماً بين فئتين، واحدة ترعى الماشية في المناطق الداخلية، وأخرى تجمع بين البر والبحر وهي تشكل الغالبية، وتعمل في صيد اللؤلؤ. أما موسم الصيد فيمتد أربعة أشهر في السنة، بدءاً من شهر آذار (مارس) حتى منتصف الصيف. كان الرجال يستقلّون متون «سنابيكهم»، وهي السفن الشراعية التي كانت تستخدم للغوص، قاصدين مغاصات اللؤلؤ طوال يوم بكامله. وكان الغوص مهنة منهكة وكان الذين يمارسونه يعانون مشكلات في السمع حتى الصمم.

الأم وقسم الأبناء

يتذكر الشيخ أيضاً أمه سلامة بنت بطي، من قبيلة القبيسي، التي بثت في وجدانه مبدأ رفض العنف وتفضيل السلام على النزاع. ولا ينسى كيف جمعت الأم أبناءها وفي مقدمتهم الشيخ شخبوط والشيخ هزاع، ودعتهم إلى الجلوس مخاطبةً إياهم، قائلة: «احلفوا يا أبنائي، احلفوا ألّا تقتتلوا أبداً، احلفوا لي أن أياً منكم لن يسفك دم الآخر». حلف الأبناء ولم ينكثوا مرة بهذا القسم.

وانطلاقاً من السؤال الذي يطرحه الشيخ زايد في الرواية: «لماذا العودة إلى الماضي؟» ومن تفضيله النسيان الذي يصفه بالنعمة، إذ ليس من المستحب إيقاظ الأشباح من سباتها، يمكن استخلاص مواصفاته الشخصية وخصاله وبعضاً من آرائه ورؤيته إلى الحياة وما وراءها، وإلى العالم والإنسان والاجتماع وسائر الموضوعات الإنسانية.

ومن الاعترافات التي تشكل نقاط ارتكاز لفهم شخصية الشيخ، قوله مثلاً: «لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب وثيابي لم تكن من الحرير». ويقول إنه لم يحب الأبّهة بتاتاً وآثر على ذهب القصور، غرفة لا زخرف فيها. يحب الصحراء حباً لا يقاوم، يحب رحابتها، وحركة الكثبان ولفح الهواء الساخن الذي يداعب الجبهة. ويقول: «أحب هذه اللحظات في الصحراء، محاطاً بالصمت. إنها تتيح لي الاتصال بالخالق ومناجاته، لأنني من الله استمد قوتي». والصلاة كما يقدّرها تبدأ من حيث تنتهي قدرات البشر، ومن خلال الصلاة «ينسى المرء نفسه ويمكنه النفاذ إلى نشيد الكون». ولعل أحد أحلام الشيخ زايد هو الذي تلقن على والده الفروسية والإقدام، أن يساعد الشعوب المتطلعة إلى الحرية وأن يعينها بما وسعه على العيش بأمان، وأن يمد يد العون للشعوب المعوزة والشعوب التي تبذل جهداً لإبعاد شبح الحرب. وهذا ما فعله حقاً وسجلّه يشهد (باكستان، الهند وبعض البلدان العربية). ويعترف أنه يكره الحرب فهي بنظره «حزمة كبيرة من القش ما إن تتدحرج حتى تجرف كل شيء في طريقها». لكنه يؤيد الحرب ضد الأمية والظلم واللاعدالة. والحرب ضد العنصرية التي لا تتسق مع أي منطق لأنها تحتقر الإنسان. ويقول إنه لم يعلّق قط أهمية على الانتماء الديني أو القومي لأي شخص، ولا على أصوله، ولا على لون بشرته، فالبشر خلق الله وخياره. ويعتبر أن الاختلافات بين البشر يجب أن تكون منطلقاً لنشوء رابطة توحد بين الناس، فالله أرادنا أن نكون مختلفين. وفي نظره أن التعصب وعدم التسامح هما جرحان في جسد الإنسانية. 

التسامح والحوار

ومعروف أن الشيخ زايد اتخذ عام 1995 قراراً ينص على إلزام أئمة المساجد بالتقيد بالنصوص التي تردهم من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية لإلقائها في عظاتهم، وقد رفض قطعاً أن يكون للتطرف الديني مكان في الإمارات. وأعلن الشيخ زايد رفضه للقوى الظلامية التي تصادر النص المقدس وتهدد التوافق. وقال إيماناً منه بالتعدد والاختلاف: «سوف تبقى الكنائس والمعابد موضع ترحيب عندنا». أما في شأن المرأة فكان يعتبر دوماً أن دور المرأة يجب ألّا يقتصر على الطبخ والواجبات المنزلية والإنجاب، بل عليها أن تنتهز كل فرصة لتنمية شخصيتها. ويحضر الشعر في حياة الشيخ حضوراً أليفاً فهو كان شاعراً باللغة المحلية أو النبطية، وله قصائد كثيرة جمعت في دواوين، وشعره سليل عفو الخاطر، وجداني، وجودي، مفعم بالمشاعر الإنسانية العميقة، وبعيد تماماً من التصنع والكلفة. وكان الشيخ هاوي شعر من الطراز الرفيع يحب الشعر الأصيل لا سيما أشعار الفرسان والخيالة والرحالة في الصحراء، ويولي المتنبي كبير اهتمام وقد حفظ الكثير من شعره. وله فيه رأي سديد كأن يقول: «هو في نظري سيد الكلمة وأحد أكبر الشعراء العرب، لا بل هو الأعظم بينهم، ويتمتع بموهبة خارقة في وصف العواطف والفهم العميق للحياة. أشعاره حول طباع البشر وتقلبات القدر مصادر للحكمة ويطيب لي أحياناً أن أرددها».

الصحراء الخضراء

يؤثر عن الشيخ زايد تواضعه الجم وألفته وقربه من الناس وإعانتهم من دون تفرقة، وفتحه أبواب قصره أمام كل زائريه واستقبالهم والاستماع إليهم. وكان يرفض التبجيل لا سيما بعد رحيله كما يقول، وكان يخشى أن يوصف بأنه كائن كامل، منزه عن كل خطأ، فالكمال لله وحده. وكانت لديه أمنية هي أن يقال عنه: «هو الروح التي أضفت على الصحراء اللون الأخضر».

هذه الخصال التي وسمت الشيخ زايد والتي أوردها جيلبير سينويه في روايته إنما استقاها من مراجع ومصادر موثقة وحية، ونجح في إدراجها عبر صيغة ضمير المتكلم أو الراوي. وهي تمثل حق تمثيل طبائع الشيخ وحكمته ورؤيته الشاملة، إلى الحياة والوجود، وإلى الإنسان والجماعة. ولعل الرسالة التي بعث بها العقيد يوغ بوستيد، المندوب السياسي البريطاني إلى وزير الخارجية وشؤون الكومنولث في 17 نيسان (أبريل)، هي من الوثائق المهمة في هذا الشأن، فهو يقول فيها: «السيد وزير الخارجية، إن الشيخ زايد، في رأينا، يمتلك المميزات الضرورية ليكون حاكم الإمارة، وهو يتمتع بشعبية ويحظى باحترام كبير من السكان والجيران. إنه لطيف ومنفتح جداً، ومن سماته الشخصية الشجاعة والصراحة والكرم. همّه الوحيد مساعدة شعبه وانفتاح البلاد على الحداثة». وتضيف الرسالة وهنا الأهم: «هذا لا يعني أنّ الشيخ زايد سيكون حاكماً نستطيع أن نتلاعب به كما نشاء لأنه يمتلك كل أنفة البدو ومتمسك جداً باستقلاليته. من المؤكد أنه، لا نحن ولا أي سلطة أخرى، سنكون قادرين على التأثير في قراراته».

ومع أن الرواية لا تتخطى المئتين وثمانين صفحة، فهي تضم ما لا يحصى من الوقائع والتواريخ والأحداث والشخصيات والوثائق، وقد حبكها سينويه بمهارة داخل بنية سردية متينة، فلم يؤثر التأريخ على رشاقة السرد. واعتمد رواة آخرين لا سيما بعض الشخصيات الغربية والبريطانية، من سياسيين ومؤرخين وعلماء ومهندسين زاروا الشيخ ووجدوا فيه مثال القائد الحقيقي. وقد أمّ هؤلاء المنطقة لأهداف عدة: سياسية وعمرانية وهندسية لا سيما التنقيب عن النفط. ومنهم: ولفريد ثيسجر، ريتشارد بيرد، بيري غوردن، جان إيف كوستو، انطوني شيفرد، تيم هليارد وزوجته سوزان، فريدي دو بوتس، جون اليوت وسواهم. ويحضر أيضاً الشاعر أحمد خليفة السويدي صديقه وأحد معاونيه المقربين، والمهندس المعماري المصري عبدالرحمن مخلوف الذي عيّنه الشيخ رئيساً لدائرة تخطيط المدن، وكذلك ابن سفير الأردن في لندن نسيبة، كما سماه الشيخ زايد وأراده حافظ سره ومستشاراً لديه وصديقاً مقرباً، وقد رافقه في معظم أسفاره وكان يده اليمنى ومترجمه.

تحضر عائلة الشيخ زايد وفي مقدمتها الشقيق الأكبر الشيخ شخبوط حاكم أبوظبي من العام 1928 إلى العام 1966 والشيخ هزاع الذي كان والياً في غرب البلاد، والأم والزوجة والأبناء، ومنهم الابن البكر الشيخ خليفة، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي وآخرون.

في 2 كانون الأول (ديسمبر) 1971 رُفع علم الدولة الجديدة للمرة الأولى فوق مقر الشيخ راشد في جميرا دبي، وكان الشيخ زايد رئيساً للاتحاد الذي أسسه بجهده ومؤازرة الأهل والإخوان، والذي بات يضم الإمارات السبع، وكان مقدراً لها أن تكون تسعاً لكن إمارتي قطر والبحرين انسحبتا واستقلتا عن الاتحاد. ومع ارتفاع العلم الإماراتي ودخول الدولة إلى مجلس الأمم المتحدة تحقق حلم الشيخ زايد. فيوماً بعد يوم كان يرى أرض الأجداد تغير وجهها. فإذا طرق الإسفلت تحل محل مسارات الرمال، وفي حي العريش تقوم مبانٍ جديدة، وفي الباطن حل المطار. وإذا هنا وهناك تنتصب واجهات الفنادق والمستشفيات والمدارس والجامعات والمراكز التجارية ومبانٍ ضخمة كالمسرح الوطني وقصر العدل والمجمع الرياضي والمؤسسات الثقافية والمزارع... وكان الشيخ زايد في خضم التطوير والتحديث، يصرّ كما يقول: «على عدم اقتلاع أشجار أرضنا التي تفيأنا بها وتحملت منا قسوة الحياة، ونسجت في ظلالها ذكريات وملاحم وحكايات».

الحاضر عربياً

كان الشيخ زايد حاضراً في الساحة العربية أيضاً، وساهم في دعم بلدان عدة اقتصادياً وسياسياً، وكان صاحب رؤية عادلة لا سيما إلى قضية فلسطين. وبعد حرب حزيران (يونيو) 1967 التي أدت إلى ما يسمى النكسة مد الشيخ زايد يد العون إلى مصر وسوريا والأردن وقدم للدول الثلاث التي يعتبرها شقيقة، ثلاثة وثلاثين مليون دولار، مساهمة في إعادة إعمارها. وعلى الصعيد الديبلوماسي سعى إلى حث الولايات المتحدة والقوى العالمية المعنية بالسلام على إرسال مراقبين دوليين لحماية الشعب الفلسطيني. وعندما اندلعت حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 قام بحملة تضامن مع سوريا ومصر، وسافر إلى لندن بغية دعم القضية الفلسطينية. وبادر إلى تخصيص مئة مليون جنيه إسترليني مساعدة للبلدين، وأوعز بإرسال أطنان من المعلبات والأغذية والأدوية إلى دمشق والقاهرة. وبعد اتفاق وقف إطلاق النار في الثاني والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، زار القاهرة ودمشق وكان على بيّنة من الأمور الداخلية. وعندما غزا العراق الكويت في الثاني من آب (أغسطس) عام 1990 أعلن حالة الطوارئ ووضع القوات المسلحة في حالة تأهب وسرعان ما انضمت الإمارات إلى التحالف المسمى «عاصفة الصحراء». وراحت الإمارات تستقبل المواطنين الكويتيين النازحين من بلادهم.

وصف المهندس البريطاني المعروف الشيخ زايد بأنه كان صاحب رؤية، وأنه كان يرى إلى الأمام، يرى مدينة المستقبل التي يحلم بها. وقد قال له مرة: «انتبه يا جون، لا أريد مدينة نفطية. أريد مدينة، مدينة حقيقية». وكانت إحدى حكم الشيخ زايد تقول: «إن المستقبل لا ينتظر أحداً، علينا أن نذهب إليه». وقد ذهب الشيخ زايد إلى المستقبل وتوغل في صميمه، بينما رجلاه ثابتتان في أرض الأجداد والآباء، أرض الماضي الأصيل.
 
 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©