الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عقلانية السياسة الإماراتية

عقلانية السياسة الإماراتية
24 سبتمبر 2020 00:58

د. مريم الهاشمي

إن التقارب في مفهوم السياسة بين ثقافات الشعوب يعطي أملاً في الوصول يوماً للمفهوم الحقيقي له، فتدل لفظة «بوليطيقا» في الفلسفة اليونانية على تدبير الإنسان أمر نفسه ضمن إطار جماعي داخل مدينة محدودة جغرافياً، وعرّفها أفلاطون على أنها علم توجيهي، يوجه الإنسان نحو الفضيلة والخير، والبحث عن السعادة والكمال، وإنها ببساطة متناهية فن الحكم الراشد والفاضل. ولفهم أوضح للعملية السياسية لابد من الوقوف على المعنى الحقيقي للسياسة، وما تحمل من تأويلات اتفق عليها الفلاسفة والعقلاء ويتضح من خلال القراءة الكرونولوجية للتعاريف المتعلقة بمصطلح السياسة، أن المصطلح يكاد يكون واحداً من حيث المقصد والغاية، وإن اختلف من حيث أصل الكلمة، فلفظة السياسة عند العرب لها دلالات كثيرة ومتشعبة، تتجه من حيث الحركة اللغوية نحو التدبير والتنظيم، وفي معناها العام: هي حسن التدبير والعناية بالشيء عناية فائقة. 

وتبرز مشكلة المفارقة التاريخية مع أي تفسير للدبلوماسية في العقود الأخيرة، ويظهر تحدٍّ جلي وزئبقي في المنهج الأنجع بين التفسيرات المتنافسة، إضافة إلى تحدٍّ آخر وهو النزوع نحو طرح الشعارات، لنجد أن إسهامات علماء السياسة كانت بالضرورة مفيدة في غير تقديم الأطروحات، كأطروحة «نهاية التاريخ» أو «صراع الحضارات». والصراع السياسي شهد تناقضات على مر العصور، وغدا الصراع محتدماً ليتعصب كل فريق لثقافته في معركة التنافس الحضاري، فكانت المعركة مزيجاً من الدوافع العنصرية الجنسية والسياسية الإدارية، والثقافة الأدبية والدينية أيضاً. 

سياسة الحكمة والاتزان
واليوم ومع حضور الأوجه المتعددة للسياسة ما بين التقليدية والناعمة والذكية، لم يزل دورا التمثيل والتفاوض الدبلوماسيين حاسمين في المواقف الدبلوماسية، لاسيما وزيادة تقلب العلاقات الدولية. وإن المتتبع لسياسة دولة الإمارات، منذ حضورها السياسي كإمارات الساحل وسياستها إزاء القضايا الإقليمية أو العربية يجد أنها كانت تجنح للرشد والفضيلة والشفافية في حكمها وكان لها توجهها السياسي الخاص -غير التابع لأي قوى سياسية خارجية- وفق المواقف والمعطيات المتطلبة للرد السياسي. فدولة الإمارات الموجودة في هذه البقعة الجغرافية المتشربة والمتأثرة لما يحيط بها من توتر بين القوى، تتميز بخصيصتي الحكمة والاتزان، ليشهد لها تاريخها السياسي والاجتماعي منذ وقبل تأسيسها على أنها تتبع هذا النهج المتوازن والذكي والمبادر في سياستها الداخلية والخارجية، ولا إثبات أكبر من التاريخ شاهداً ومعلماً، فمواقفها تجاه كل القضايا المحلية والإقليمية والعربية والعالمية تثبت نظرية أن الدبلوماسي البارع يفتح الأبواب ويكسب طرقاً مفضلة للوصول إلى وجهات النظر والنتائج المرجوة.

الارتقاء بالإنسان
إن الحروب تنشأ من الأنانية، ومن الدوافع العدوانية، وإن استئصال الحرب ينبغي أن يتحقق من خلال الارتقاء بالإنسان والنهوض به وبعث الاستنارة فيه، أو من خلال إعادة تكييفه النفسي، وهي الفكرة المتكررة لدى كثير من علماء السلوك في العصر الحديث. وكما قيل:
«لو كانت نصف القوة التي تملأ العالم رعباً 
ولو كان نصف الثروة التي تنفق في المعسكرات والمحاكم 
لو كانت مكرسة لتحرير العقل البشري من خطله 
فعندها لن نحتاج لترسانات الأسلحة ولا القلاع». 
ومفاد ما ذكر أن الشعب لن يصر على تبني السياسات الصائبة إلا إذا عرف ماهيتها، فغرائز البشر صالحة مع سذاجتهم وسهولة انخداعهم، ومن خلال إرجاع المصاعب إلى خلل في المعرفة، يصبح التثقيف والفكر الحقيقي هو الشفاء من مرض الحرب. 

شجاعة الموقف
وفي موقف الإمارات ومبادرتها لمعاهدة السلام الأخيرة -التي يُستنكر بعض ردات الفعل حولها- قوة وشجاعة في الموقف، ولنترك الزمن يفعل فعلته في قطف ثمرة الاتجاه الجديد، فالزمن هو الأستاذ وهو صاحب العبور أو الوقوف، فالسلام هو ثمرة الدول الصالحة، والحرب من نتاج الدول الطالحة. 

شخصية الجمهور
أهم عنصر يمكن أن يواجه العملية السياسية هو الجمهور، وإن مصطلح الجمهور يتخذ معنى آخر مختلفاً في النظرة النفسية، فيمكن لتكتل من البشر أن يمتلك خصائص جديدة مختلفة جداً عن خصائص كل فرد يشكله، لتنطمس الشخصية الواعية للفرد، وتصبح عواطف وأفكار الوحدات المصغرة المشكلة للجمهور موجهة نفس الاتجاه، وعندئذ تتشكل روح جماعية، عابرة ومؤقتة من دون شك، لتصبح جمهوراً سيكولوجياً -إن صح التعبير- خاضعاً لقانون الوحدة العقلية للجمهور، فذوبان الشخصية الواعية للأفراد وتوجيه المشاعر والأفكار في اتجاه واحد يشكل الخصيصة الأولى للجمهور ومن هنا يسهل للفرد الأقل وعياً أن ينخرط نفسياً ضمن جمهور تميز بنوع من العواطف التي شكلته، وبذلك قد يأخذ منحى سلبياً وإيجابياً على السواء، وهو ما نجده في أرض الواقع، من جمهور يتصف بالانقياد، ولا اختلاف على أن هذا النوع من الجمهور يتصف بسرعة الانفعال والعجز عن إعمال العقل وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية، إضافة إلى المبالغة في العواطف. وبالتالي فهو عرضة للتحريضات التي قد يتلقاها أو يسهل أن يلتقطها لعدم كفاءته في السيطرة على ردود فعله -كما لمحنا بأسف من تفاعل جماهير على امتداد أكثر من رقعة جغرافية- والانفعالات التحريضية المختلفة إما أن تكون بطولية أو جبانية، لذا لا يمكن الاعتماد على هذا النوع من الجمهور في العملية السياسية، فهو نوع من الجمهور الذي لا يعي كيفية طرح السؤال، فالتاريخ بدأ عندما طرح العقل على نفسه أول سؤال، ونهاية التاريخ أو نهاية التقدم هو عندما يفقد السؤال جوهر السؤال! 

ومضة ختامية
وإن موقف هشاشة بعض الحكومات الأخرى وبعدها من الشفافية هو ما يعطيها أملاً سراباً حول نظرية تخلّف الجمهور عن الفكر، ففهم ماهية السياسة هو الطريق الأنجع في تملك السلطة على قدر المشيئة، إلا أن الحقيقة أن عدم الفهم يأتي بخراب وضياع الأمم، فالزمن هو الفيصل -كما ذكرنا- وهو ما يمد بالإجابات إما بالتجربة أو المشاهدة، فلنتركه يأخذ دوره التركيبي والتنسيقي.

*أكاديمية وناقدة

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©