الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النيهوم.. فلسفة التهكم

النيهوم.. فلسفة التهكم
15 أكتوبر 2020 01:01

أحمد الفيتوري

الصادق النيهوم ساخر من نوع مميز، كاتب لا يشبه أحداً، مقالاته كتابة نثرية، تبدو كما قصائد سردية، أو قصص كمقامات الهمذاني، غرضهما التهكم وإثارة السخرية، وفي الجملة اقتضاب وصورة كاريكاتيرية. تنسج المقالة في حال السارد الحكيم، من يفاجئ القارئ ويدهشه، فالجمل المتدفقة والمقالة المحبوكة، تنسج في قماشة المفارقة واللامتوقع، والمقالة التي تنشر كمقالة صحفية، تتمظهر أيضاً بمقام المقامة، تتشيع للتهكم، فتسخر من شخصيات، في كاريكاتير رسم بالكلمات، لقد طرز مقالته بأيقونات ما تعد حامل فلسفة السخرية النيهومية، شخصيات تتكرر في المقالات، مثل الحاج الزروق، والحاجة مدلله، وناتاشا التي تحتسي الفودكا... وما يشبه ذاك. 
الصادق النيهوم نجم النجوم، عند الكثير من قرائه، ظهر على صفحات جريدة «الحقيقة» 1964، ليكتب من هلسنكي عاصمة فنلندا، عن الليبيين، مقالات ساخرة ومثيرة، ولينشر مقالات صحفية مترجمة، أعاد صياغتها، هذه المقالات التي تتناول مواضيع الساعة في تلك المرحلة، وتمس القضايا الساخنة من العالم، وفي أسلوب ساخر وتهكمي، وطازج ومثير، جذب القراء، وتحول صاحب هذا الأسلوب، إلى كاتب الصحيفة الأول والمبرز؛ علي يد صحفي قدير هو «رشاد الهوني»، رئيس تحرير صحيفة «الحقيقة»، التي تنشر هذه المقالات، مسلطة الضوء على كاتبها، في شكل صحفي جديد وجذاب.
وحين حققت الجريدة ذلك، كان النيهوم قد أمدها بروح جديدة، بأسلوبه المميز، من حيث تركيب الجملة، التي تغترف من الأساليب الصحفية العربية «البيروتية»، ومن الأساليب الكتابية في الصحف الإنجليزية اللغة، ومن الأدب الأميركي في مرحلة ما بعد الحرب، كما تمثل في كتابة «أرنست هيمنجواي»، وترجماته العربية علي يد «منير البعلبكي»، مترجم رواية هيمنجواي «الشيخ والبحر»، التي كانت إنجيل جيل النيهوم، لقد عجن هذا الكاتب ذلك في تحولات، جعلت أسلوبه متميزاً، وجملته مسبوكة، مصبوغة بروحه التهكمية، كابن لمدينة متوسطية صغيرة (بنغازي)، قد تبدو كميناء لقراصنة غدوا أشباحاً.
كان النيهوم يرسم شخصية كتاباته السردية، في شكل رجل عاطل، ليس لديه ما يفعل، سوى أن يتكئ في ركينة شارع، ليرمي المارة، بنظرة ساخطة ولسان لاذع، وفي مقالاته الفكرية يبدو كمتفرج حاذق، استعار باروكة فلسفة العبث السائدة آنذاك، التي تكرس مفاهيم اللامنتمي الحصيف، لقد كان مفكراً ذا أطروحة إشكالية، تبحث في الدين، فتقدم اجتهادات مفارقة، وتكتب مقالات تتناول القضايا الاجتماعية، بفكر عقلاني نقدي، وتركب مركب المتهكم الذي يستبيح التابوات، ولذا حمل كديوجين مصباحاً في النهار، للتهكم من المجتمع وأفراده، من يستكينون لظلمات نهارهم، ولقد أشارت -حينها- صحيفة «الصن» البريطانية أوائل السبعينيات، إلى الصادق النيهوم -في مقالة صحفية عن ليبيا- بأنه يبدو كما فيلسوف هيبي: الفيلسوف الهيبي الذي وراء كولونيل ليبيا، وكان الكاتب علي فهمي خشيم قبلها، قد كتب مقالة بعنوان: «الظاهرة النيهومية».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©