الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

‬أماندا ‬غورمان.. شعرية الحلم الأميركي

‬أماندا ‬غورمان.. شعرية الحلم الأميركي
25 Feb 2021 01:07

إميل أمين

«وها‎ ‬نحن ‬نرفع ‬أبصارنا
ليس‎ ‬إلى ‬الحوائل ‬التي ‬تجثم ‬بيننا
بل‎ ‬نحو ‬الأهداف ‬التي ‬تقف ‬أمامنا
***
ونغلق‎ ‬الفواصل ‬لكي ‬نضع ‬مستقبلنا ‬كأولوية ‬أهم، 
فلنضع‎ ‬خلافاتنا ‬جانباً
ولنلقِ‎ ‬بأسلحتنا
حتى‎ ‬نتمكن ‬من ‬مد ‬أيادينا
لبعضنا‎ ‬بعضاً».

بهذه‎ ‬الكلمات ‬الشعرية ‬كانت ‬الشاعرة ‬الأميركية ‬الشابة «‬أماندا ‬غورمان»‬ ‬تسرق ‬الأضواء، ‬خلال ‬حفل ‬تنصيب ‬الرئيس ‬الأميركي ‬جوزيف ‬بايدن، ‬وقد ‬اختارت ‬أن ‬تلقى ‬قصيدة ‬عنوانها «‬التل ‬الذي ‬نتسلقه»‬، ‬وربما ‬هنا ‬الإشارة ‬مزدوجة، ‬فمن ‬ناحية ‬هناك ‬رمزية ‬لفكرة ‬التل ‬أو ‬الجبل ‬الأميركي‬، ‬تلك ‬الرؤية «‬اليوتوبية» ‬التي ‬تحدث ‬بها ‬الآباء ‬المؤسسون‬ الأميركيون، حيث ‬أميركا ‬مدينة ‬فوق ‬جبل‬، ‬تنير ‬للجالسين ‬في ‬الظلمة ‬وظلال ‬الموت. ‬وربما ‬فهم ‬الضيوف ‬والحضور ‬المعنى ‬والمبنى ‬لقصيدتها، ‬عبر ‬الألم ‬الذي ‬انتاب ‬الأميركيين‬، ‬حين ‬رأوا ‬تسلق ‬الدهماء ‬تلة ‬الكابيتول‬، ‬الكونجرس ‬الأميركي، ‬وتوجيه ‬طعنة ‬غادرة ‬لقلب ‬الحياة ‬الديمقراطية!
ومنذ‎ ‬زمن ‬تنصيب ‬الرئيس ‬الأميركي الأسبق ‬جون ‬كيندي ‬في ‬أوائل ‬ستينيات ‬القرن الماضي، ‬جرى ‬عرف ‬«الديمقراطيين» أن ‬تلقى ‬قصائد ‬شعرية ‬في ‬يوم تنصيب ‬الرئيس ‬في ‬البيت ‬الأبيض، ‬وقد ‬حافظت ‬حملة ‬الرئيس ‬بايدن ‬على ‬هذا ‬التقليد‬. ولعل السؤال هنا: «‬من اختار» ‬أماندا ‬غورمان بالذات‬، ‬لتلقي ‬قصيدة ‬التنصيب؟

الدكتورة «‬جيل»
تشير‎ ‬وسائل ‬الإعلام ‬الأميركية ‬إلى ‬الدكتورة «‬جيل ‬بايدن»‬، ‬زوجة ‬الرئيس، ‬الأستاذة ‬الجامعية ‬والمعلمة ‬لعقود ‬طوال، ‬والتي ‬يبدو ‬أنها ‬كانت ‬قد استمعت ‬من ‬قبل ‬إلى ‬غورمان‬، ومن ثم فهي ‬من ‬أشارت ‬على ‬القائمين ‬على ‬الحدث ‬باختيارها.‭
ولم‎ ‬ينقص ‬الذكاء ‬الاجتماعي ‬والعلمي ‬الدكتورة «‬جيل ‬بايدن»‬، ‬فأوعزت ‬إلى ‬الشاعرة ‬الأميركية ‬الشابة ‬بأن ‬تكتب ‬قصيدة ‬تشاغب ‬فيها ‬روح ‬التوافق ‬الأميركي ‬والوحدة ‬المجتمعية، ‬لا‬سيما ‬بعد ‬الجراح ‬الثخينة ‬التي ‬عاشتها ‬أميركا، ‬خلال ‬مرحلة ‬الانتخابات ‬الرئاسية ‬الأخيرة، ‬وقد ‬كتبت ‬بالفعل ‬أبياتاً ‬عن: «‬العالم ‬الجريح ‬الذي ‬يمكن ‬أن ‬ينحو ‬إلى ‬عالم ‬رائع»‬، ‬في ‬إشارة ‬لا ‬تخطئها ‬العين ‬لواقع ‬حال ‬الإمبراطورية ‬الأميركية ‬المعاصرة.‭ 
فهل‎ ‬يمكن ‬للشعر ‬أن ‬يعيد ‬لأميركا ‬روحها ‬الوهاجة ‬وألقها ‬البراق، ‬ذاك ‬الذي ‬كاد ‬يتوارى ‬نهار ‬السادس ‬من ‬يناير، ‬ومن ‬وراء ‬ما ‬عرف ‬بـ«غزوة ‬الكونجرس»؟

الفتاة ذات الرداء الأصفر
بردائها‎ ‬الأصفر ‬وشعرها ‬المطوق ‬بتاج ‬أحمر، ‬سلبت «‬أماندا ‬غور»‬ ‬عقول ‬وقلوب ‬الحضور، ‬فقد ‬جاءت ‬كلماتها ‬لتذكر ‬العالم ‬بالحلم ‬الأميركي‬، ‬وفيه ‬على ‬حد ‬قولها: «فتاة ‬سمراء ‬نحيفة‬، ‬تنحدر ‬من أرقّاء، ‬ربّتها ‬أم ‬عزباء‬، ‬بإمكانها ‬أن ‬تحلم ‬بأن ‬تصبح ‬رئيسة»‬.
وعلى‎ ‬صغر سنها‬، ‬تؤمن ‬غورمان ‬بأن: «‬الشعر ‬عادة ‬هو ‬المحك ‬الذي ‬نعود ‬إليه ‬عندما ‬يتعين ‬علينا ‬تذكير أ‬نفسنا ‬بالتاريخ ‬الذي ‬نقف ‬عليه‬، ‬والمستقبل ‬الذي ‬ندافع ‬عنه»‬، ‬وبذلك ‬كانت ‬تلخص ‬المشهد ‬السياسي ‬الأميركي عبر ‬أشعارها ‬البريئة، ‬بلون ‬قلبها ‬الوديع‬.

أفضل ‬شاعرة ‬شابة
لقد شاغب‎ إلهام ‬الشعر، عقل ‬غورمان‬، ‬في ‬سن ‬مبكر‬ة، ‬فقد ‬حصدت ‬أول ‬جائزة ‬شعرية ‬لها ‬حين ‬كان ‬عمرها ‬لا ‬يزال ‬16 ‬عاماً، ‬وبعد ‬ثلاث ‬سنوات ‬فازت ‬بجائزة «‬أفضل ‬شاعرة ‬شابة» ‬في ‬البلاد‬، ‬وذلك ‬أثناء ‬دراستها ‬في ‬جامعة ‬هارفارد ‬المرموقة. وفي يوم‎ ‬تنصيب ‬بايدن‬، ‬تساءل ‬الجميع: ‬هل ‬تكون ‬غورمان هي ‬خلَف ‬شاعرة ‬أميركا ‬العظيمة ‬مايا ‬أنجلو ‬التي ‬خرجت ‬الأمة ‬الأميركية كلها ‬في ‬وداعها ‬قبل ‬بضعة ‬أعوام‬؟
عبر‎ ‬صفحات ‬«النيويورك ‬تايمز» ‬كانت ‬غورمان، ‬تصرح ‬بالقول: «‬إن ‬ما ‬أطمح ‬إليه ‬حقاً ‬من ‬خلال ‬قصيدتي ‬هو ‬أن ‬أكون ‬قادرة ‬على ‬استخدام ‬كلماتي ‬في ‬تصور ‬رؤية ‬تشكل ‬لشعب ‬بلادنا ‬أرضية ‬للاتحاد ‬والتراصف ‬والتعافي»‬، وتضيف: «‬أحاول ‬القيام ‬بذلك ‬على ‬نحو ‬لا ‬يمحو ‬أو ‬يتجاهل ‬الحقائق ‬القاسية ‬التي ‬أعتقد ‬أن ‬أميركا ‬هي بحاجة ‬إلى ‬التصالح ‬معها»‬.
وأمام‎ ‬الرئيس بايدن، ‬ورؤساء ‬أميركيين ‬سابقين‬، ‬وكبار ‬رجال ‬الدولة‬، ‬وعلى ‬مرأى ‬ومسمع ‬من ‬العالم ‬أجمع، ‬ارتفع ‬صوت ‬غورمان‬، ‬ليكون لسان ‬أميركا ‬المتوافقة ‬لا ‬المتفرقة‬، ‬التي ‬تقدِم ‬لا ‬التي ‬تحجم، ‬مضيفة ‬عبر ‬قصيدتها ‬عن ‬العالَم ‬الأميركي ‬الرائع، ‬حتى ‬وإن ‬جرح ‬ذات ‬نهار، ‬بأن‬: «‬هناك ‬دائماً ‬نوراً، ‬لو ‬أننا ‬فقط ‬شجعان ‬بما ‬فيه ‬الكفاية ‬لرؤيته‬، ‬ولو ‬أننا ‬فقط ‬شجعان ‬بما ‬فيه ‬الكفاية ‬لتكوينه»‬.

التاريخ من الباب العريض
وهكذا دخلت‎ غورمان، ‬حكماً ‬التاريخ ‬بوصفها ‬أصغر ‬شاعرة ‬في ‬تاريخ ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأميركية ‬تحتفي ‬بانتقال ‬السلطة ‬الرئاسية، ‬وبدت ‬تلك ‬الشابة ‬الصغيرة (‬22 ‬سنة)‬، ‬المتحدرة ‬من ‬لوس ‬أنجلوس، ‬بولاية ‬كاليفورنيا‬، وهي ‬تبعث ‬في ‬الأمة الأميركية ‬برمتها‬، ‬وليس ‬في ‬الحضور ‬على ‬قمة ‬الكابيتول ‬فقط‬، ‬مشاعر ‬الانتصار ‬بعد ‬الانكسار‬، ‬بصوتها ‬الهادئ، ‬وحركاتها ‬الرشيقة‬، ‬وأدائها ‬اللافت ‬وثقتها ‬العالية‬.
‎ والحال أن ‬قصة ‬غورمان‬، ‬مثيرة‬، ‬وفيها ‬من ‬الإبداع ‬الحياتي ‬ما ‬يلفت ‬الانتباه، ‬لاسيما ‬أنها ‬وجدت ‬في ‬كتابة ‬الشعر ‬وسيلة ‬للتغلب ‬على ‬التلعثم ‬الذي ‬عانت ‬منه ‬في ‬طفولتها، ‬تماماً ‬كما ‬فعل ‬بايدن ‬حين ‬كان ‬صغيراً‬.
وقد استطاعت‎ ‬غورمان ‬أن ‬تصبح ‬صوت ‬أميركا ‬الرؤيوي ‬الرسالي‬، ‬في ‬الوقت ‬الذي ‬كادت فيه ‬روح ‬الأمة ‬‬تنشق ‬من ‬أعلى ‬إلى ‬أسفل، ‬وفي ‬ساعات ‬ارتفعت ‬فيها ‬بالفعل ‬في ‬ساحة ‬الكابيتول ‬وعلى ‬تلة ‬رايات ‬تعيد ‬التذكير ‬بأزمنة ‬الحرب ‬الأهلية ‬الأميركية‬، و‬لاسيما ‬علم ‬الكونفيدرالية ‬الذي ‬انتصب ‬عالياً، ‬في ‬حين ‬تم ‬إسقاط ‬العلم ‬الاتحادي ‬الأميركي ‬قصداً ‬لا ‬عفواً‬!

شعرية الحضور 
وفي‎ ‬مستهل ‬قصيدة ‬غورمان‬، ‬التي ‬جاءت ‬لتداوي ‬جراحات ‬السادس ‬من ‬يناير‬، ذلك اليوم الذي ‬سيبقى ‬يوماً ‬سيئ ‬الذكر ‬في ‬التاريخ ‬الأميركي ‬الحديث، ‬تحدثت ‬الشاعرة ‬الشابة ‬عن ‬ما ‬أسمته‬: «‬قوة ‬من ‬شأنها ‬أن ‬تمزق ‬أمتنا ‬بدلاً ‬من ‬تقاسمها»‬، ‬وبدت ‬كأنها ‬تستشرف ‬قادم ‬الأيام، ‬حين ‬نبهت ‬إلى ‬أن ‬ذلك ‬الجهد ‬غير ‬الخلاق‬: ‬«كاد ‬ينجح، و‬لكن ‬إذا ‬كان ‬ممكناً ‬للديمقراطية ‬أن ‬تتأخر ‬أحياناً، ‬فمن ‬غير ‬الممكن ‬أن ‬تهزم ‬دائماً»‬.
ولعلنا لا‎ ‬نغالي ‬إن ‬قلنا ‬إن ‬غورمان‬، ‬ربما ‬كانت ‬نقطة ‬ضوء ‬أميركية لامعة ‬بقوة ‬وحضور ‬طاغٍ، ‬وسط ‬ظلمة ‬الأحداث ‬الأخيرة‬، ‬وربما ‬بينت ‬للأميركيين ‬وللعالم ‬أن ‬الشعر ‬ليس ‬آلية ‬للتسلية، و‬لكنه ‬طريق سريع ‬إلى ‬القلوب ‬والعقول، ‬يشرح ويفرح ‬ولا ‬يجرح، ‬ولهذا اجتمع ‬الحضور‬، ‬من «جمهوريين» ‬و«ديمقراطيين»، ‬بيض ‬وسود‬، ‬رجال ‬ونساء‬، ‬كبار ‬وصغار، ‬على ‬حضور ‬غورمان «‬الفذ»‬.
وهكذا بدت‎ ‬غورمان ‬أمل ‬أميركا ‬عبر ‬تمثيلها ‬لشباب ‬الأمة‬، ‬وهذا ‬ما ‬لفت ‬إليه ‬باراك أوباما ‬الذي ‬غرد ‬بالقول: «‬يوم ‬للتاريخ»، ‬مشيداً ‬بأداء ‬غورمان، ‬واصفاً ‬قدرات ‬الشباب ‬بالضوء ‬الذي ‬يحتاج ‬إلى ‬شجاعة ‬لرؤيته‬. أما‎ ‬هيلاري ‬كلينتون ‬فقد كتبت ‬تقول إنها ‬لا ‬تستطيع ‬الانتظار ‬لرؤية ‬الشاعرة ‬السمراء عندما ‬تترشح ‬للرئاسة ‬ودخول البيت ‬الأبيض ‬في ‬عام ‬2036، ‬بحسب ‬ما ‬وعدت ‬به ‬أماندا نفسها‬.
فهل‎ ‬تكون ‬الشاعرة ‬الشابة، حقاً، ‬أول ‬سيدة تتولى منصب ال‬رئيس ‬في ‬تاريخ ‬أميركا... وهل البيت الأبيض على موعد، في يوم ما، مع هذه الرئيس ‬الشاعرة‬؟ 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©