الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«عاش هنا».. تخليد لذكرى المبدعين

«عاش هنا».. تخليد لذكرى المبدعين
25 مارس 2021 00:46

إيهاب الملاح

أمام واحدة من العمارات القديمة المطلة على كورنيش النيل بحي العجوزة العتيق من الضفة الشرقية للنيل بالقاهرة، علقت لافتة ذهبية أنيقة كتبت عباراتها بتنويعة فنية من تنويعات الخط العربي، وكانت تحمل هذه العبارة «هنا عاش يوسف إدريس»، ويمكن قراءتها أيضاً «عاش هنا يوسف إدريس».
وعلى بعد عدة مئات من الأمتار من هذه البناية، وبجوار كافتيريا شهيرة تحتل ناصية شارع شهير يفصل بينها وبين مستشفى الشرطة بالعجوزة، تقع بناية أخرى ملاصقة لها. وعلى يمين المدخل مباشرة علقت اللوحة الذهبية الإطارية ذاتها، ولكن كتب داخلها هذه المرة «هنا عاش نجيب محفوظ».
وبكاميرا الموبايل، قمت بمسح الـ‏QR ‬عبر ‬تطبيق ‬QRL ‬المتاح ‬في ‬أجهزة ‬الهواتف ‬الذكية، ‬والأجهزة ‬اللوحية ‬المحمولة، ‬لتنفتح ‬على ‬الفور ‬نافذة ‬رقمية ‬على ‬الموقع ‬الخاص ‬بالمشروع، ‬وأقرأ ‬السطور ‬التعريفية ‬الموثقة ‬عن ‬الأديب ‬المصري ‬والعربي ‬الأشهر، ‬والحائز ‬على ‬جائزة ‬نوبل ‬العالمية ‬في ‬الآداب ‬عام ‬1988، ‬والمتوفى ‬في ‬30 ‬أغسطس ‬من ‬عام ‬2006.
ورغم أنه لم يمض سوى أعوام قليلة فقط على إطلاق مشروع «عاش هنا» (أطلق رسمياً في مطالع 2017)، فقد حقق نجاحاً شعبياً كبيراً، ولاقى قبولاً واسعاً من عامة المصريين، قبل نخبتهم، واستحوذ على اهتمامهم أن يروا هذه اللافتات الذهبية تزين مداخل البنايات والمساكن التي عاش فيها أعلام الفكر والفن والثقافة والرياضة والسياسة، وفي كل التخصصات، ممن برزوا في مجالاتهم وحققوا إنجازاً إنسانياً ووطنياً مشهوداً.
وزينت اللافتات الذهبية المؤطرة مداخل عقارات وبنايات وفلل عاش فيها أعلام الثقافة والحضارة المصرية، مثل رفاعة الطهطاوي، والشيخ سيد درويش، والنحات والمثال محمود مختار، والفنان التشكيلي محمود سعيد، ومن أعلام الأدب: طه حسين، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وجمال الغيطاني، وإبراهيم أصلان.. إلخ. ومن رموز الوطنية المصرية وشهداء المعارك الحربية وأسماء من سقطوا في مواجهات الكرامة والدفاع عن الشرف الوطني، كالشهيد عبدالمنعم رياض والشهيد إبراهيم الرفاعي، والشهيد أحمد منسي.. إلخ.
ومشروع «عاش هنا» ثمرة تعاون بين الجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة المصرية، والمنوط به تحقيق القيم الجمالية للشكل الخارجي للأبنية والفراغات العمرانية والأثرية للمدن والقرى وكافة المناطق الحضارية للدولة، وبين مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء.

توثيق وتخليد
قبل وفاته مباشرة، وخلال لقاءات عدة جمعتني معه لتسجيل حوارٍ توثيقي عن مشواره في السينما والحياة الثقافية، أخبرني الناقد والمؤرخ السينمائي الراحل علي أبو شادي أنه عضو باللجنة العلمية التابعة للجهاز القومي للتنسيق الحضاري، التي دشنت مؤخراً بين عامي (2015 و2016) مبادرة تنسيق حضاري بعنوان «هنا عاش» لتوثيق وتخليد رموز الذاكرة الوطنية المصرية، في مختلف التخصصات، في الفكر والأدب والفن والثقافة والرياضة وشهداء المعارك الحربية.. إلخ.
وبالإضافة إلى علي أبو شادي، تضم اللجنة أيضاً مجموعة منتقاة ومختارة من كبار المتخصصين والمؤرخين وأساتذة الفن والأدب والسينما والتوثيق الحضاري، منهم المهندس محمد أبوسعدة، رئيس مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والمؤرخ وأستاذ الوثائق د. عماد أبو غازي، وزير الثقافة المصري الأسبق، والمعماري المهندس د. طارق والي، والمؤرخ الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، والكاتب خالد الخميسي، والدكتور ياسر منجي، الأستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة، والشاعر أحمد عنتر، والدكتورة هايدي شلبي، مدير الإدارة العامة للحفاظ على المباني والمناطق التراثية.

قاعدة بيانات
وفي البداية يسجل مؤرخ الفنون الجميلة والناقد الفني ياسر منجي الهدف الأساس من المشروع والغاية منه، حيث كتب في منشور عام على صفحته الشخصية على «فيسبوك»: إن مشروع «عاش هنا» يهدف إلى توثيق الأماكن المرتبطة بحياة مشاهير الرواد من المبدعين الأعلام، المؤثرين في تاريخ مصر الحديث في مختلف مجالات الفكر والإبداع، وذلك بإنشاء قاعدة بيانات دقيقة ووافية، تشمل لوحات إرشادية، تحمل أسماء هؤلاء الأعلام وتواريخ ميلادهم ووفاتهم على المنازل التي عاشوا فيها، موضحاً أن هذه اللوحات تتضمن رموزاً للرد السريع (كيو آر كود) ‏QR codes، ‬يمكن ‬من ‬خلالها ‬الوصول ‬لمعلومات ‬وافية ‬عن ‬سِيَر ‬حياتهم ‬وإنجازاتهم، ‬عبر ‬موقع ‬إلكتروني ‬خاص.
ويأتي المشروع ضِمن محاور توثيق الذاكرة الحضارية، التي ترعاها المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وثمرة لبروتوكول تعاون بين «الجهاز القومي للتنسيق الحضاري» و«مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» برئاسة مجلس الوزراء المصري.

القوائم المقترحة
أما المؤرخ والأكاديمي البارز الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بجامعة القاهرة، والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، وعضو اللجنة العلمية للمشروع، فقد قدم تأطيراً تاريخياً ومعلوماتياً وافياً عن المشروع، الذي استهله قائلاً:
خلال الأعوام الأربعة الماضية حقق المشروع نجاحاً مبهراً لم نكن نتصوره، وأخذت مع الوقت أسسه وتصوراته في التبلور ووضع الإطار العام للتنفيذ. ويستطرد عفيفي: اتفقت اللجنة أن يغطي المشروع أسماء من رحلوا فقط وليس الأحياء، وهذا شرط أساسي. أما الشرط الثاني، فأن يكون آخر مكان عاش فيه العلم المراد وضع لافتة باسمه موجوداً وقائماً بحالته، ولم يطرأ عليه تغيير أو يمكن أن يطرأ عليه تغيير (لو كان عقاراً مؤجراً مثلاً فيؤول لمالكه عقب وفاة المستأجر).
ويوضح عفيفي أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، تم إنجاز ما يقرب من 325 لافتة للعدد ذاته من رموز الإبداع والفن والثقافة والفنون التشكيلية والأدب والسياسة، تغطي عموم الجمهورية في القاهرة والمحافظات المصرية، ومن المقرر أن يصل هذا العدد إلى 500 بنهاية مايو من العام الجاري.
وعن الآلية المتبعة لإنشاء القوائم المقترحة لانضمامها إلى المشروع، يقول عفيفي: إن اللجنة كانت تجتمع مرة شهرياً تناقش فيها المقترحات المقدمة من أعضائها، مع إتاحة الفرصة لتقبل المقترحات من خارج اللجنة بضوابط وشروط، إما عن طريق التقدم بها عبر البريد الإلكتروني المتاح على صفحة المشروع، أو من خلال أحد أعضاء اللجنة، ليتم عرضها عليهم في الاجتماع الشهري.
ولكن وبسبب ظروف جائحة «كوفيد-19» العالمية توقفت الاجتماعات المباشرة في مقر جهاز التنسيق الحضاري بالقلعة، وأصبحنا نجتمع كل عدة أشهر عبر تطبيق زووم، ولكننا سنعاود الاجتماع مجدداً خلال الأشهر القليلة القادمة، ونستأنف اجتماعاتنا الشهرية بانتظام، يقول عفيفي.

إعلاء قيم الجمال
ومن جانبها، تضيف الباحثة الأولى بمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية الدكتورة رضوى زكي: «انطلق المشروع بصفة رسمية في أوائل عام 2017، مستهدفاً جغرافياً محافظتي القاهرة والجيزة كمرحلة أولى، عبر توثيق منازل 200 شخصية مصرية بارزة، وفي يوم الاثنين الموافق 17 سبتمبر 2018، وبقلب قلعة صلاح الدين، تم الاحتفال رسمياً بتدشين المشروع واكتمال تسجيل 100 مبني كانت يوماً ما موضعاً لإبداع 100 رمز مصري».
وتلفت رضوى زكي إلى أن فكرة المشروع وتنفيذه جاءت بأفكار سلسة وقليلة التكلفة، لتلقى تفاعلاً ملحوظاً في الشارع المصري، وتلفت إليها الأنظار في خطوة نحو إعلاء قيم الجمال في المجتمع المصري، حيث يتم توثيق البنايات التي عاشت فيها الشخصيات المختارة من خلال تثبيت لوحة معدنية، تتضمن عبارات موجزة تشمل اسم المبدع، وتاريخ ميلاده ووفاته، والمجال الذي ساهم فيه كالرواية أو الشعر أو السياسة، وعنوان العقار الذي كان يقطن فيه، فضلاً عن كود ‏QR، ‬الذي ‬يقود ‬إلى ‬قاعدة ‬بيانات ‬رقمية ‬أكثر ‬تفصيلاً ‬عن ‬تلك ‬الشخصية ‬عبر ‬تطبيق ‬QRL.
وعن كيفية الرجوع إلى قاعدة البيانات الرقمية المتاحة لمن تم استهدافهم بالمشروع أو من القوائم الجديدة التي ستشمل الأسماء المقترحة، أوضحت رضوى زكي أنه يمكن للزائر عبر شبكة الإنترنت الاطلاع على قاعدة بيانات الشخصيات العامة المستهدفة في المشروع من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمشروع ‏www.livedhere.org، ‬الذي ‬يضم ‬نبذة ‬عن ‬أولئك ‬المبدعين ‬ومواطن ‬إقامتهم ‬في ‬خريطة ‬رقمية، ‬وأهم ‬منجزاتهم ‬في ‬التاريخ ‬المصري ‬الحديث ‬والمعاصر ‬في ‬مجالات ‬الفنون ‬والأدب ‬والسياسة ‬والفكر ‬والعلوم ‬الإنسانية ‬والاجتماعية، ‬فضلاً ‬عن ‬العديد ‬من ‬الشخصيات ‬العامة.

تعميم المبادرة
ويبقى، كما تقول الدكتورة رضوى زكي، وهو ما نختتم به، أن يتم تعميم تلك المبادرة في مرحلةٍ لاحقة في كل محافظات جمهورية مصر المختلفة التي تضج بالمفكرين والمبدعين، بالتعاون مع مختلف فئات المجتمع من أفراد ومثقفين ومفكرين ومنظمات المجتمع المدني لتبقى سيرة كل مبدع عاش على أرض مصر، وأسهم في إثراء تاريخ تلك البلاد بفنه أو فكره أو علمه، مخّلدة الذكر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©