الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سؤال الأدب الثوري

سؤال الأدب الثوري
1 ابريل 2021 01:20

د. مريم الهاشمي 

السيرورة التاريخية خلّفت تصورات مفاهيمية وفكرية متغيرة ومتضاربة ومتداخلة، وأثرت في تغيير مفاهيم قيم على مر العصور، وكل الآداب الحضارية في كل البقع الجغرافية نالت نصيبها من هذا التغير بفعل التحولات في النظم الإنسانية المختلفة، وتلك التحولات لم تكن بمنأى عن الصراع، والذي يؤكد بؤس البشرية على مر التاريخ بدليل حضوره إلى اليوم، فقد طرأ التغيير على شكله البدائي إلى أشكال جديدة متعددة الأبعاد، كالصراع الاقتصادي والسياسي والعلمي والتكنولوجي، إلا أنه لا يمكن نفي استمراريته مع كثير من الأسى، إذ نجد إلقاء الصراعات بظلالها -بطبيعة الحال- على التحول الاجتماعي والسياسي والذاتي والفكري والأدبي، ما أدى إلى حضور مرآتها في الأدب، وقد توشح بملامح الثورية ما يمكن أن نطلق عليه «الأدب الثوري» كرد فعل على تفشي الفساد والظلم والقهر، وطريق للوصول إلى حرية ممارسة الحياة، وكتابة هذا النوع من الأدب بمثابة الشهادة على العصر، والتي ستغدو تاريخاً بعد عدد من السنوات، ويمكن أن تُعد وثائق تأريخية في حال غياب كتابة وخجل كتابة التأريخ! 
ولكن هل فعلاً آتت الكتابة الثورية أُكلها على مر العصور؟ وهل استطاعت أن تفرّج عن الكبت والقهر وليّ الرقاب والأقلام؟ أم أن نتيجتها كانت عكسية، لتساهم في نشر الدمار والبؤس والفقر والتشرد واللجوء والإجرام؟ ولمن يوجه هذا النوع من الأدب؟ وهل الجموع الجماهيرية مهيأة فكرياً وثقافياً لمثل هذا النوع من الأدب؟ وهل لوعي الجمهور واستجاباته المؤدلجة فكرياً ودينياً وثقافياً الدور في الاستقبال الصحيح له؟، وماذا يريد الكاتب قبل أن يخط بقلمه ما يريد، أم أنه تعبير وضمير حيّ لم يجد إلا في التعبير عنه أدبياً مساهمة منه في نبذ ما يجده من واقعه!

سؤال العمق الحضاري
إن سؤال الأدب الثوري هو سؤال العمق الحضاري، وفي ذات الوقت لا يجدر بنا أن نشيح عن نوع من الأدب الثوري الذي لعب الدور الحضاري في إرساء الأمل في ذوات الشعوب واستنهاضها، وفتح الأبصار على النور القادم من آخر النفق، وهنا المربط الذي نريد به الامتداد الحضاري لا التصنيم الحضاري، ووجب على صاحب الكلمة أن يكون واعياً لمسار التاريخ وألا يسهم في تلاحق الصراع ويأخذ بيده إلى صفة الدوام. ونرى أن الخطاب الثوري هو الصورة الجديدة للخطاب البلاغي للخطابة اليونانية -إن صح التعبير- ففيهما نجد أن الإنسان هو مقياس كل شيء، ولا يمكن أن يكون الإنسان هو مقياس ومركز كل شيء إلا إن تخلصنا من التضليل والخداع، وبيداغوجية المتلقي هي الحل الأمثل لكشف تلاعبات الأدب غير الحقيقي، وهو ما يأخذ بنا إلى منحى آخر للأدب غير الذي كنا ندرك، وهو التحريض ونشر الدمار وتلبية لمصالح ذاتية أو سياسية أو اقتصادية، ولذا وجب على الكاتب النزيه أن يعي أن وظيفة الأدب تتجلى في ترشيد استجابات الجماهير، ما يحقق الهدف الأساس بعيداً عن التشويش في إطار فضاء تواصلي ما يحقق المصلحة الإنسانية، لأن الاستجابة تعبر عن استيعاب الأحاسيس والشجن المشحون بالعاطفة الجياشة المتدفقة. وتتضح هذه العاطفة أكثر إذا كانت النصوص شعرية، وتحديداً إذا كانت نصوصاً ذات بعد وطني أو ذاتي أو إنساني، وكأنه يؤشر على مكامن النفس الإنسانية والتنفيس كذلك عن المكبوت في حين توافقه مع المخاطِب مع وجود مؤثرات خارجية كثيرة تلقي بظلالها على الاستجابة، وتسهم في الكشف عن طبيعة تفكير صاحب الاستجابة ونمط العلاقة التي تربطه بالنص. والواقع أن الأدب إحدى وسائل الثورة، وأكثرها فاعلية، فلا ثورة حقيقية إلا وسبقتها ثورة أدبية، تلك التي تهدف إما للرفض أو الإصلاح. 

القارئ الحقيقي
والكاتب حين يكتب وجب عليه أن يدرك تركيبة روح المتلقي وتركيبه بحسب العرق البشري وتشكيلة الجماعات، وعليه أن يدرك كذلك دوره الكبير أمام التشكيلات العقلية أو الذهنية التي تحتوي إمكانيات خصائص يمكنها أن تبرز إلى السطح تحت تأثير التغيير المفاجئ بفعل الكتابة المؤثرة، وعلى صاحب الإبداع أن يدرك كذلك أن الخصائص الجديدة المراد التأثير فيها يمكن أن تتموضع على السابقة، وبذلك تؤدي إلى توجيه كل مشاعر الجماعة وأفكارها في الاتجاه المراد. وقد لا يدرك الجانبان أن تلك المؤثرات قد تشكل عدوى عقلية، فالتركيز على المتلقي وعلى دوره الفعال كذات واعية لها نصيب الأسد من النص وإنتاجه وتداوله وتحديد معانيه، وبقدر ما يساعد المتلقي على تحديد الإطار العام لتوجه النص وفق ترسباته الفكرية والحضارية بقدر ما يكون هو أساس التشعب والاندثار. وعلى صاحب النص في مثل هذا النوع من الأدب الموجه أن يضع نصب عينه القارئ الحقيقي لا القارئ الافتراضي الذي هو محض اختراع وتوهّم صاحب النص الذي قد نرحّب بوجوده ووجود غيره كالقارئ المضمر فيما عدا هذا النوع الأدبي، والذي يعد من أكثر الأنواع الأدبية ذات الصفة الجدلية، والذي يطلب من المتلقي ليس الكفاءة الأدبية وحسب، وإنما أيضاً الكفاءة والقدرة الذهنية والفكرية والفلسفية والقيمية والدينية للوقوف فيما وراء النص الأدبي بحيث يتجاوز القارئ العادي. ولكن السؤال الأوجب طرحه هنا، كيف يمكن لصاحب النص أن يتحكم في من يصل نصه، وكيف يُفهم، وما تأثيره القادم على الجمهور! هي مسؤولية كبيرة تقع على من يتجه لمثل هذا النوع من الكتابة الأدبية، وذلك لما قد نجد لها من التأثير المأساوي في البعد الإنساني والحضاري كما نجد في كثير من البقع الجغرافية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©