الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القصيدة تحتفي بالقصيدة

القصيدة تحتفي بالقصيدة
1 ابريل 2021 01:20

محمد قنور

تتنوّعُ المواضيع مثلما تتنوع الأدوات الأدبية في كتابة الشعر، إلا أن سؤال: ما هو الشعر؟ يظل جوهر انطلاق الشعراء ونقطة يعود إليها معظمهم لإبراز الدور الأهم للشعر في الحياة. فيعبر الشاعر عن فكرة وجود الشعر بطرق عدة، ويمكن أن يتأثر أو يستلهم العديد من الأفكار والمشاهد والأشياء والتجارب المتنوعة من الحياة اليومية. هكذا، يبدو الشاعر شارحاً لمعنى الشعر بإبداع قصيدةٍ، متجاوزاً القول السائد: «الشعر شكل من أشكال الكتابة المتجددة عن ثقافة وفن وحياة حضارة معينة».
ولو أن خورخي لويس بورخيس يرى الشعر على أنه «غير قابل للتعريف، إنه حدث لا يمكن تفسيره بتبسيطه،» فيما يسيل الكثير من المداد لتقديم تعريفات مختلفة للشعر. نجد شعراء يقدمون تعريفاتهم الخاصة للشعر كما رأوه وشعروا وفكروا به. وفي هذه المختارات المترجمة لقصائد عالمية، يحاولُ الشعراء إبداعياً الإجابة عن أسئلة: ما هو الشعر؟ ما هي القصيدة؟ ولماذا نكتب الشعر؟

* قصيدة الحب
كارول آن دافي (و. 1955)
حتى الحب يُرهقُ نفسه، 
ويتوق للكلمات النّائمة
في عيون الرفيقة المستلقية على ملاءة بيضاء، 
إنها حالة راحة في اللغة.
فدعوني أحصي الطُّرق
أو تقليصها إلى عبارة مثل شاهدة قبر.
وتعالوا لتحيوا معي، 
أو للسقوط من سحابتها العالية
كمقاطع في بركة من الأبيات، 
لساعة واحدة فقط.
حتى يستسلم الحب
ويتحدثَ بهمسةٍ من فنٍّ
يا عزيزي يا قلبي!
كيف يعجبك الأمر؟
وشفاه الحب تتحوّلُ إلى علامات اقتباسٍ
عندَ تقبيل السّطر.
فلتنظر في أمر قلبك
لتكتب عن تلاشي ضوء الحب، والسواد، 
الأسود كحبر على صفحةٍ
فهناك حديقة في بدايتها.
والحب يستوطن العقل
يا أميركا! يا أرضي المكتشفة من جديد
كل شيء في القلم
الذي في يد الكاتب
ليلمحك معرضاً فنياً
ليس بعيداً، بل في قصيدة، 
مستظهرة عن ظهر قلب كصلاة، 
قريبة وبعيدة على حد السواء، 
قريبة وبعيدة كعثّة لها رغبة تجاهَ نجم.

* ما هي القصيدة؟
شارلز غينيا (و. 1946)
 أهي همسةٌ، أم صرخة؟
تحولت إلى أفكار
رأساً على عقبٍ.
أهي ضحكةٌ، أم تنهيدةٌ؟
أم صدى يعبرُ؟
إيقاعٌ أم قافيةٌ، أم لحظةٌ؟
قُبِضَ عليها في الوقت المناسب
قمرٌ، أم نجمٌ؟
أم إيماءةٌ منكَ؟

* رغيف الشِّعر
ناوشي كورياما (و. 1926)
اخلطِ العجين بخبرة
مع خميرة الإلهام
ودلّك العجين جيدا بحب
وانثر عليه كل عنفوانك
ثم اتركه حتى
ينتفخ ويكبر
بسبب طاقته الجوانية
واعجنه مرة أخرى
وقم بتشكيله دائرياً
ثم اخبزه في فرن قلبك.

* مقدمة في الشعر
بيلي كولينز (و. 1941)
أدعوهم ليأخذوا قصيدة
ويرفعوها جهة الضوء
مثل شريحة لون
أو يدسوا أذناً في خليتها، 
أقول ألقوا فأراً في قصيدةٍ
وشاهدوه يتحسس طريق الخروج، 
أو المشي داخل غرفة القصيدة
حادساً زر الضوء على الجدران.
أريدهم أن يتزلجوا على الماء
عبر سطح القصيدة
والتلويح باسم الكاتب على الحافة.
لكن، كل ما يريدون فعله
ربط القصيدة بحبل إلى كرسي
وتعذيبها للاعتراف بالذنب.
ويباشرون ضربها بخرطوم ماء
للكشف عما تعنيه حقاً.

* إلى الشعراء
آل يونغ (و. 1939)
ابق جميلاً
لكن لا تمكث في النّفق مطولاً
لا تتحول إلى خلدٍ
أو دودة أو جذر أو حَجر.
تعال إلى ضوء الشمس
تنفس بين الأشجار
وتغلب على الجبال.
تهامس مع الثعابين
وكن بطلاً بالنسبة للطُّيور.
لا تنس أن ترفع رأسك عالياً
لتخلقَ وميضاً
فكّر وأنت تجول الأمكنة
واسبح ضد التيار، 
ولا تنس أن تطيرَ.

* تعليم القرد كتابة قصائد
جيمس تايت (1943-2015)
لم تحدث لهم متاعب كثيرة
أثناء تعليم القرد كتابة القصائد:
في البداية ربطوه إلى الكرسي، 
ثم ربطوا قلم الرصاص في يدهِ
(فيما الورقة ثابتة في الأسفل).
انحنى الدكتور على كتفهِ
وهمس في أذنهِ.
«تبدو مثل إلهٍ، وأنت جالس هنا
لماذا لا تحاول كتابة شيء ما؟!»

* ما ينقص الشعراء
ليز لوتشهاد (و. 1947)
على رأس الشاعر إكليلٌ
بريء من أريج أوراق شجرة الرند الملتوية.
و للشِّعر كل المجد.
ولا يحتاجُ الشعراء لأمجاد. لمَ يستحقون الثناء؟
أمن أجل حب محاولة القبض على صورة مفصولة
وجعلها واضحة بتلك الكلمة البسيطة، 
أم للإصغاء للصمت على إيقاع القدرة
على تحمل فكرة لم يُفكَّر فيها بعد؟
أم السعي وراءها كمكافأة لها.
عليك أن تدع القصيدة تأتي
 إلى الصوت عبر تذييل الكلام
في وقت متأخر في بيت مظلم، 
ودندنة مقاطع لخربشات، 
أو ما يُعتقد سطورا في النهاية، 
إذ بإمكانك إدراكها كما يجب.
وربما في الأماكن العامة أيضاً؟ في قطار النهار، 
بقلم حبر، وظهر ظرف، 
لتحدث متعة مطاردة الإوزة البرية مجدداً
وتجاوز كل هذه الضوضاء.
الإلهام؟ جرس يرنُّ، وقطعة نقدية تسقطُ، 
ومصباح كهربائي يتدلّى من أعلى
والفكرة الرديئة التي جاءت سابقاً
لا، ليس هكذا. اكتبها، وامسحها، 
واكتبها مجدداً بنفس الأسلوب،
 ولكن تحت ضغط مختلف.
لتكتشف أن هذه لعبةٌ، ونادراً ما تنتصرُ، 
وقد تنتهي معظم مجهوداتك في سلة المهملات.
هناك مئة مالك الحزين عابس
يتعقب امتداد النهر قرب الضفة
ولن يحدث هذا من دون سمك هناك.
وإذا لم يحدث أي شيء،
 ففي كل ذلك الرماد الذي يمرُّ، 
وميضٌ لشيء ما يدفع إلى المحاولة السريعة.
هكذا تكون القصيدة بعد فترة طويلة من العدم، 
فيمكنك انتزاعها من ذلك الشيء كطعام لك.
لتنجو، كما تفعل الأوراق.
وكل المجد للشعر، بسيميائه هذا
واقترانه بالعبارات المألوفة والمتجددة، 
التي نصر على سماعها ورؤيتها.
لا يحتاج الشعراء لأمجاد بالتأكيد؟
فقصائدهم، عندما يتمكنون من إنجازها، ولو نادراً، 
هي تتويجهم بلونه الأخضر.

* احذر: لا تقرأ هذه القصيدة
إسماعيل ريد (و. 1938)
إن جوع القصيدة أسطوري
أخذت الكثير من الضحايا، 
فلتكفَّ عن القصيدة
التي أغرقت قدميك
فلتكفَّ عن هذه القصيدة
فقد أغرقت ساقيك
لتكفّ عن هذه القصيدة 
إنها مرآة مهشمة
وأنت عالقٌ في هذه القصيدة
من أسفل خصركَ
ولا أحد يستطيع أن يسمعك، أليس كذلك؟
أجبرتك هذه القصيدة على الوصول إلى هنا
وها أنت تنفثُ دُخاناً.
لا أخلاق لهذه القصيدة
ولا يمكنك أن تستنجد من هذه القصيدة
استرخ الآن واذهب مع هذه القصيدة
تحرك وتدحرج مع هذه القصيدة
ولا تقاوم هذه القصيدة
هذه القصيدة تستولي على عينيك
لهذه القصيدة رأسك
لهذه القصيدة ذراعاك
لهذه القصيدة أصابعك
لهذه القصيدة أطراف أصابعك
هذه القصيدة هي القارئ
والقارئ هو القصيدة!

* قصائدي
روبرت كوري (و. 1937)
قصائدي
قنابلُ نحيلةٌ
تتحمَّلُ شغفَ الانفجار
فتيلها المتمدد
داكنٌ على الصفحة
في انتظار وصولك أثناء الضوء.

* فيما يخصُّ الشعراء
غاري سنايدر (و. 1930)
شعراء الأرض
الذين يكتبون قصائد قصيرة، 
ليسوا في حاجة لمساعدة من إنسان.
شعراء الهواء
ينشؤون في عواصف مباغتة
وأحياناً يتدلون من دوامات.
قصيدة بعد قصيدة
يحتشدون في دفعة واحدة.
في أدنى الخمسين
لا يتدفقُ زيت الوقود
ويبقى غاز البروبان في الخزان.
وشعراء النار
الذين يحترقون عند الصفر المطلق
يضخون الحب العتيق لحفظه.
أولاً، شاعر الماء
مكث ست سنوات في العمق.
وكان العشب البحري يغطّيه.
أما الحياة في قصيدته 
فعبرت بملايين 
المسارات الطينية الضيّقة والمختلفة.
وبشمسٍ وقمرٍ
في بطنهِ، 
شاعر الفضاء
ينامُ. ولا نهايةَ للسّماء، 
لكنَّ قصائدهُ
مثل الإوز البري، 
تحلقُ بعيداً عن الحافة.
أما شاعر العقل 
فيمكثُ في البيتِ.
بيت فارغٌ
بلا جُدران.
وتبرزُ القصيدةُ من كل الجهات، 
وفي كل مكان، كل الأوقات.

* من هو الشاعر؟
تاديوش روجيفيتش (1921-2014)
الشاعر هو الذي يكتب أبياتاً
وهو الذي لا يكتبُ أبياتاً.
الشاعر هو الذي يفكُّ الأغلال
وهو من يضع أغلالاً على نفسه.
الشاعر هو الذي يؤمنُ
وهو الذي لا يفرضُ الإيمان على نفسه.
الشاعر هو الذي تفوّه بالكذب
وهو الذي قيل له الكثير من الكذب.
هو الذي كان يميلُ حدَّ السقوط
وهو الذي ينهضُ بنفسه.
الشاعر هو الذي يحاول المغادرة
وهو الذي لا يستطيع المغادرة.

* كيف تأكل قصيدة
إيفلين ميريام (1916-1992)
لا تكُن مهذّباً. اقضمها.
التقطها بأصابعكَ والعقِ العصير
المنساب على ذقنكَ.
إنها جاهزةٌ وناضجةٌ الآن، أينما كنت.
ولا تحتاجُ إلى سكّين أو شوكة أو مِلعقة
أو طبق أو منديل أو مفرش مائدةٍ.
فلا يوجد لبٌّ أو جذع أو قشرة أو فرع أو بذرة أو جلدٌ
للرّمي في النفايةِ.

* شعراء شباب
نيكانور بارا (1914-2018)
اكتب ما تشاء
وبأي أسلوب تبتغي، 
سال الكثير من الدم تحت الجسر
فقط للاستمرار في هذا الاعتقاد:
أن هذه الطريق هي الأمثل.
كل شيء مباحٌ في الشّعر.
طبعاً، بشرط واحد فقط، 
يجبُ تحسين وضع الصفحة الفارغة.

* فكرة الشاعر
لوسي مود مونتغمري (1874-1942)
جاءته في الأحلام مثل قوس قزح، 
بتوليفة من حكم الحكماء، 
حيث تولد الروح والشغف
بكلمات ساطعةٍ مثل الصُّبح
فسجنها، وها هي تلمع الآن
جوهرة متألقة عبر العصور.

* دماثة العميان
فيسوافا شيمبورسكا (1923-2012)
 يقرأ الشاعر سطوره للمكفوفين.
 ولم يظن أن ذلك سيبدو صعباً جداً.
 صوته يتشنجُ. وترتجف يداه.
 يشعرُ أن كل جملة
 قد أقحمت في اختبار الالتباس.
 ويجب أن يتدبر الأمر لوحده، 
 بلا ألوان ولا أضواء.
تخذل قوته نجوم قصائده، 
أوقات الفجر، وأقواس قزح، وغيمٌ، وأضواء النيون، 
وقمر للأسماك الفضية في الماء العميق
والصقر الباسق في السماء الهادئة.
الآن، يقرأُ، منذ فوات الأوان عن التوقف، 
عن الصبي الذي يرتدي سترة صفراء في حقل أخضر، 
سطوح حمراء يمكن عدها من الوادي، 
وأرقام مبهمة على قمصان لاعبي كرة القدم، 
وغريبٌ عارٍ يقف في باب شبه مغلق.
يود تخطي الكلام، ولا يمكنه القيام بذلك، 
عن جميع القديسين على سقف الكاتدرائية
والمسافرين الذين يلوحون من القطار، 
وعدسة المجهر، والخاتم الذي يخلف وميضاً، 
وشاشات السينما والمرايا وألبومات الصور.
لكن، عظيمة هي مجاملة العميان، 
عظيم هو صبرهم وكرمهم.
إنهم يستمعون ويبتسمون ويصفقون.
حتى أن واحداً منهم يأتي بكتاب مقلوب
ويطلب توقيعاً غير مرئي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©