الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: هوكينج الهارب من الفلسفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: هوكينج الهارب من الفلسفة
17 ابريل 2021 00:45

وإن كان يقول بموت الفلسفة، فإنه لن يجد مفراً من الفلسفة إلا بالفلسفة، على أن الفلسفة ليست المتون الكبرى ومدونات النظريات التي وصفها روسو بالغرور العقلي، وإنما الفلسفة نشاط عقلاني يعتمد الاستدلال العقلاني والجدل المعرفي والتفكير الناقد، أي أنها منهجيات وليست محفوظات، وكل نظرية فلسفية، هي فردانية بالأساس وستختلف النظرية عن مرادفات نظرية لها تنازعها أو تلغيها أو تجافيها بمعنى النقض لها، ولذا فهي حيوية علمية ومعرفية شرطها الأول هو الجدلية المتصلة.
وما دام حديثنا عن هوكينج، وهو الأبرز فيما يخص مقولة «موت الفلسفة» فلنقف على علاقته مع مفاهيم الفلسفة، ويتجلى ذلك في مقولاته عن مفهوم النظرية، وهو مفهوم فلسفي جوهري توقف هوكينج عنده كثيراً، حيث ظل يعاني مأزق النظرية ودخل في محاولات لحل لغز النظرية، بدءاً من المفهوم نفسه حول تعريف مصطلح النظرية، وشروط صياغة المصطلح وصياغة الأنموذج «model»، وتعددت محاولاته منذ كتابه الأول «مختصر تاريخ الزمن»، وفي كتابه «التصميم العظيم»، ولنأخذ ما ورد في التصميم العظيم، حيث يضع أربع خصائص لا بد للأنموذج العلمي أن يتمثلها، وهي:
أ- أن يتمتع الأنموذج بالكياسة، والكياسة وصف لتركيبة النظرية كأنموذج تتجسد فيه النظرية.
ب- أن يتضمن القليل من الاعتباطية والقليل من العناصر غير المنضبطة.
ج- لا بد للأنموذج أن يشرح كل الملاحظات الماثلة ويتوافق معها.
د- يلزم الأنموذج أن يعطي توقعات مفصلة عن المستقبل.
وتلك ملاحظات يمكنها أن تكشف ثغرات الأنموذج مما لا يثبت، أو مما يتكشف زيفه «التصميم ص 68».
هذه أربع خصائص يضعها هوكينج من أجل صناعة أنموذج علمي دقيق ومحكم، ومن الواضح أن شروطه هذه لم تتحقق في نماذجه التي اعتمدها لنفسه.
ولكي نضع هوكينج في سياق إشكالياته التي يوقع نفسه فيها نستعرض مجمل تصوراته للأنموذج العلمي ومفاهيمه للنظرية منذ كتابه «مختصر تاريخ الزمن» إلى كتابه «التصميم العظيم». ففي كتابه «تاريخ الزمن» يقول قولاً واقعياً ومنطقياً، وهذا نصه «إن الكشف عن نظرية موحدة وكاملة قد لا يساعد على تحسين البقاء لنوعياتنا. بل قد لا يؤثر على نظام حياتنا اليومية، غير أن الإنسان منذ فجر تاريخه لم تطمئن نفسه بأن يرى الأشياء تسير من دون ترابط أو أن لا تقبل التفسير، ولذا فقد حفر الإنسان عن الأسباب العميقة التي تنتظم العالم، وما زلنا اليوم نتوق لأن نعرف لماذا نحن هنا ومن أين جئنا، وهذه الرغبات البشرية العميقة جداً هي ما يبرر عطشنا لتتبع البحث والحفر، وهدفنا في النهاية هو العثور على جواب كلي وشامل عن الكون الذي نعيش فيه- ص 13».
وجاء في آخر صفحة من الكتاب نفسه ليعزز هذا التوق البشري للمعرفة، فقال: لو تحقق لنا أن نصل لجواب عن لماذا نحن موجودون ولماذا الكون موجود معنا، فحينها سنحقق الانتصار الأعظم للعقل البشري بما أننا حينها سنتعرف على فكرة الله حول وجودنا «ص 175 وللتفصيل عن موقف هوكينج أرجو العودة لكتابي العقل المؤمن العقل الملحد الفصل الأول».
هنا يمارس هوكينج الفلسفة ويضع الفكر الفلسفي في صميم جدليته، وفي الخلاصة، فإن هوكينج لن يفر من الفلسفة إلا إلى الفلسفة.
وسنقول إذن: إن الفلسفة لا تموت، ولكنها تغير من وظائفها، وإن تركت للعلم أموراً كثيرة كانت في السابق من مباحث الفلسفة، فإن الأكيد أن النظرية النقدية هي الصيغة التي لا تخص العلوم الطبيعية، وإنما هي علم إنساني وثيق الصلة بالعقلنة والاستدلال العقلي والتفكير الناقد، بما أن هذا المنشط هو الصيغة العصرية للفلسفة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©