عدد اليوم
ساسي جبيل (تونس)
المسيرة الإيجابية في الحياة تصنع بالعزيمة، وترتقي بالفعل الجاد والإضافة النوعية من خلال الاندماج والمساهمة والامتزاج التلقائي بالمجتمع، وتجاوز كل المعوقات. في هذه المساحة نستعرض سيرة حياة كُتاب وفنانين ومبدعين من أصحاب الهمم، ارتبطت أسماؤهم بتجاوز العوائق والقدرة على التفوق والتألق.
علي بن جبلّة اشتهر بلقب «العكّوك» ومعناه القصير السّمين، ولد سنة 160هـ ببغداد وبها نشأ، وكان ضريراً أسود أبرص، ونبغ في الرّواية، وسرعان ما ظهرت موهبته في الشّعر خاصة فأخذ في نظمه متكسّباً يمدح كبار رجال الدّولة مثل وزير المأمون الحسن بن سهل حميد الطّوسي وأبي دلف العجلي فأبدع في هذا الغرض. ونسوق هنا مما أنشده في حضرة أبي دلف العجلي:
إنّما الدّنيا أبو دلف... بين مغزاه ومحتضر
فإذا ولّى أبو دلف... ولّت الدّنيا على أثره
كلّ من في الأرض من عرب... بين بادية إلى حضر
مستعير منك مكرمة... يكتسيها يوم مفتخره
وغضب منه المأمون؛ فكيف للشّاعر ألا ينتبه له ويمدح من هو دونه، فأصبح من مادحيه وأُغدقت عليه العطايا.
تزوّج علي، ولم يُعرف وقت زواجه، وكان له أهل في بغداد، وأنجب أولاداً، ولم يفصح عن عددهم، ولكن البكر من بنيه اسمه الحسن، ولذلك يكنى بأبي الحسن.
وكان دقيق الفطنة جزل الكلام وامتاز في المدح وخاصة مدح الخلفاء، لعله يفوز بالقرب منهم، وينال عطاياهم. وكان من أنصارومؤيدي العباسيين بشكل خاص.
وفي أخبار أنّه رحل إلى عبداللّه بن طاهر في ولاية خراسان ومدحه فأجزل صلته واستأذنه في الرّجوع فسأله ابن طاهر أن يقيم واتصل برّه به فلمّا طال مقامه اشتاق إلى أهله فدخل عليه، وأنشده مستأذناً في القفول إلى موطنه، فأذن له مغدقاً عليه الأموال.
ومن فرط صنعته في هذا الاختصاص كان يدفعه مزاجه أن يكثر من المبالغة في ممدوحه ويقال إنّ أبا تمّام عندما سمع بعض أبياته تأثّر بها، وقال «أحسن واللّه لوددت أنّ لي هذا البيت بثلاث قصائد من شعري»، وقال عنه الجاحظ «كان أحسن خلق الله إنشاداً ما رأيت مثله بدويّاً ولا حضريّاً».
تقلّب الشّاعر أيضاً بين كلّ الأغراض الأخرى، مثل الرّثاء والهجاء والغزل والوصف، غير أنّ المدح أعلى به ممدوحيه فأعلاه، ومن أشهر أبياته:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها..وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد... إلا قضيت بأزراق وآجال
تزور سخطاً فتمسي البيض راضيةً... وتستهلُّ فتبكي أوجه المال
توفي علي بن جبلّة عام 214هـ في بغداد بعد مسيرة حافلة بالعطاء وسما اسمه بين كبار الشّعراء العبّاسيين.
