الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: هل تتوافق العقول على أي شيء؟

د. عبدالله الغذامي يكتب: هل تتوافق العقول على أي شيء؟
19 يونيو 2021 01:23

العقل مشروط بأن يكون حراً ومستقلاً، ومن ثم فإن العقل فلسفياً هو ذاك الذي لا يتفق مع عقل آخر، وقد قالها روسو ملاحظاً حال الفلاسفة بأن الواحد منهم يرى خطأه أحق من صواب غيره، وغالباً فإن العقل الذي يتفق مع عقل آخر يصبح أحدهما مقلداً أو أقل معرفة أو أقل تساؤلاً، بينما القلوب ستكون عكس ذلك، فهي تتوافق في كثير من أمرها ولو توافق قلبان مثلاً على محبة شيء أو كراهة شيء، فإن ذلك لن يكون محاكاة من أحدهما للآخر، بما أن الحب والكره يصدران عن حس عميق لا يمكن اصطناعه أو تصنعه أو تبنيه.
وهنا ندرك معضلة العقل من حيث الركون إلى حكم العقل بإطلاق بما أن العقل فرداني خاصة مع القضايا الكبرى التي يميل العقل للجزم بها بناء على اقتناع ذاتي يصل لحد الصرامة والقطع بوجاهة الرأي وكونه الأصوب، بينما الملحوظ واقعياً أن العقل كلما دخل في ظرف تغير تبعاً لشروط الظرف وما كان معقولاً عندنا قبل عشر سنوات لن يظل كما هو، إلا إذا كنا لم نتغير بأي شيء خلال السنوات تلك، أما إن تغيرت الأحوال، وهي متغيرة بالضرورة، فإن منظومة المعقولات ستتغير حتماً، حتى ليصبح غير المعقول معقولاً والعكس أيضاً. ولعل هذا ما جعل روسو يصف العقل بالغرور لأنه يبدو دوماً في حالة إصرار قاطعة على أي شيء يراه معقولاً، ولا يتعظ من تغير معقولاته فيما مضى له من تجارب، في حين تبدو العاطفة أكثر صدقاً وأدق علاقة مع ما تميل إليه، وإن اعتراها الجموح أحياناً، ولكنه جموح صادق أيضاً رغم مغالاته، مما يعني في النهاية أن العقل يغالي والعاطفة تغالي أيضاً، والاختلاف هو أن العاطفة لا تدعي العقلانية، ولكنها صادقة فحسب، بينما عقلانية العقل لا تصدر عن الصدق، وإنما مصدرها قناعات فردية، وتتقوى كلما اختلفت عن الآخرين في هذه القناعات لأن صاحبها سيصبح صاحب مذهب يخصه وصاحب مقولة تنسب له احتكاراً، ومن نقلها عنه لزمه توثيقها وإلا سيعد سارقاً للفكرة، في حين لا أحد يسرق مخرجات العاطفة وليس لمعطياتها توثيق يخص الفاعل الأول.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©