الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الفن.. وسيلة لتهذيب الأخلاق

الفن.. وسيلة لتهذيب الأخلاق
23 سبتمبر 2021 01:18

ترجمة: د. حورية الظل

جون هوسبرز (1918 - 2011)، فيلسوف وناشط سياسي أميركي، اشتغل أستاذاً فخرياً في جامعة مينيسوتا، كلية بروكلين، كما شغل لسنوات عديدة منصب رئيس قسم الفلسفة في جامعة جنوب كاليفورنيا، وله العديد من المؤلفات، منها «قراءات تمهيدية في الجماليات»، و«فهم الفنون»، وغيرها كثير.
والقول إن العمل الفني جيد من الناحية الجمالية أو له قيمة جمالية، يختلف عن القول إن لديه القدرة على التأثير في الناس لجعلهم أفضل من الناحية الأخلاقية، ومع ذلك، وعلى الرغم من اختلاف الحكمين، إلا أنهما يظلان غير منفصلين تماماً عن بعضهما بعضاً.

  • جون هوسبرز
    جون هوسبرز

جون هوسبرز
إن الوظيفة الأساسية للفن أنه خادم للأخلاق، لكن قد يُنظر إليه بريبة من قبل حراس الأخلاق والتقاليد، وهو مزعج لهم؛ لأنه يغرس في الناس أفكاراً غير تقليدية، ويميل إلى تأكيد الفردية بدل الامتثال للسائد؛ لأنه غالباً ما يتم إنشاء الأعمال الفنية بدافع التفرد أو خيبة الأمل من النظام الاجتماعي، وبالتالي، فقد يقوّض الفن المعتقدات والمواقف التي تستند إليها رفاهية المجتمع حسب اعتقاد حراس الأخلاق! ولكن عندما لا يؤثر الفن في الناس أخلاقياً بطريقة أو بأخرى، فإنه يعتبر متعة غير مؤذية بالنسبة لهم، ويمكن تحمله إذا لم يستغرق الكثير من وقت المتلقي، ولكن عندما يروج الفن للتساؤل ويتحدى المواقف الراسخة، ينظر إليه هؤلاء الحراس على أنه ماكر وسيئ!
وإذن، قد لا يُنظر إلى الفن برضا إلا إذا كان يروج أو يكرس المعتقدات والمواقف الأخلاقية التي يلتزم بها حارس الأخلاق، ولعل أفلاطون أول من أبدى وجهة نظر أخلاقية حول الفن؛ لأنه كان معجباً بالشعراء، وكان هو نفسه شاعراً، ولكن عندما أسس فلسفته المثالية، أصبح مقتنعاً بأن جزءاً كبيراً من الفن، وحتى بعض المقاطع لهوميروس، لها تأثير سلبي على الشباب، وبناءً على ذلك، قرر أنه يجب منعها، وخاصة المقاطع التي تتحدث بشكل سيئ عن «الآلهة»، والمقاطع التي يمكن أن توصف اليوم بأنها إباحية، وحتى مقاطع الموسيقى التي اعتبرها مزعجة للروح أو الحواس كلها، وحكم عليها بالمصير نفسه. واقتصر تركيز أفلاطون على نقاء أرواح الأشخاص الذين سيصبحون أعضاء في مجلس حكم الدولة، وبذلك لم يكن معنياً بالرقابة على الجماهير، ولكن في محاورات أخرى لأفلاطون، وعندما لم يكن مهتماً بالمساهمة في بناء الدولة، أشاد بفضائل الفن، ولكن عندما كان يتعلق الأمر بالصراع بين الفن والأخلاق، كان يضحي بالفن في النهاية.

النظرة الأخلاقية للفن
ولا تزال النظرة الأخلاقية للفن، بشكل عام، غير النظرة التي تتبناها الجماهير، ولاسيما عندما تكون تحت سيطرة عقيدة دينية أو سياسية سائدة، وتاريخياً، كانت المسيحية تشك في كل الأعمال الفنية باستثناء تلك التي يمكن استخدامها لنشر العقيدة وممارسة شعائر الديانة المسيحية.
وإذن، عندما تكون ثقافة أمة تحت سيطرة وجهة نظر سائدة، سواء كانت أخلاقية أو دينية أو سياسية، فإن شغل حكام تلك الأمة الشاغل هو الترويج لها بأي ثمن، وأحد الخاسرين في هذه العملية هو الفن.

تعارض 
وهناك رأي يقول إنه بدلاً من أن يكون الفن «وكل شيء آخر» خادماً للأخلاق يجب أن تكون الأخلاق «وكل شيء آخر» خادمة للفن، ويعتقد مؤيدو هذا الرأي أن تجربة الفن هي التجربة الأكثر غنى في حياة الإنسان، وأنه لا ينبغي السماح لأي كان بالتدخل فيها، وقد تكون تجربة الأعمال الفنية من أعظم التجارب المتاحة للبشر، ولكنها على أي حال ليست التجربة الوحيدة المتاحة؛ لأن القيم الجمالية للفن تُعد من بين العديد من القيم الأخرى.

ارتباط الفن بالأخلاق
وفي الواقع، نجد بين الفن والأخلاق ارتباطاً وثيقاً، ولا يعمل أي منهما دون الآخر، ولكن تتبع العلاقة الدقيقة بينهما ليس بالأمر السهل، ولا يوجد مصطلح أفضل من «التفاعل» لتسمية وجهة النظر القائلة إن القيم الجمالية والأخلاقية لكل منها أدوار مميزة تلعبها في العالم، ولا يعمل أي منها بشكل مستقل عن الآخر.
ومن المسلّم به، أولاً وقبل كل شيء، أن الأعمال الأدبية يمكن أن تعلم دروساً أخلاقية قيّمة، ولكن معظم الأعمال الأدبية غير موجودة لتلقين الدروس الأخلاقية؛ لأن شكسبير مثلاً، ربما لم يكتب «عطيل» فقط لمهاجمة التحيز العنصري؛ لأن الأدب يعلّم، ولكن بطريقة أفضل بكثير من الوعظ الصريح: فهو يعلّم، كما قال جون ديوي، من خلال الوجود، وليس عن طريق النية الواضحة.
وإذا كان على الفن استيعاب الأخلاق، فإن على الأخلاق أيضاً أن تأخذ الفن بعين الاعتبار، فتقريباً كل ما هو واقعي أو خيالي في الفن يؤثر على الأخلاق، وأمثلة من اليونان القديمة وحدها تؤكد ذلك، فماذا يمكن أن تكون الأخلاق اليوم دون تأثير المسرحيين كإسخيلوس وسوفوكليس، ودون سقراط، كما هو موصوف في حوارات أفلاطون؟ 
وإذن، من خلال الأعمال الفنية العظيمة، يتم الحصول على المفاهيم الأكثر وضوحاً لسلوك طرق الحياة المختلفة.

فنون حية
ماذا يتذكر الناس عن اليونان، هل هي خلافاتهم السياسية، أم حروبهم، أم اضطراباتهم الاقتصادية؟ ما الحي اليوم من اليونان القديمة؟ هو النحت والشعر والملحمة والدراما؟ وما الحي اليوم من العصر الإليزابيثي؟ هو الدراما الشعرية بخصائصها الحية وطاقتها غير المحدودة؟ قد تكون الحضارات والثقافات السابقة مصادر للحقائق والنظريات، ولكن ما يمكّن البشر المعاصرين من مشاركتها مشاعرهم ومواقفهم تجاه الحياة بشكل مباشر ليس سياساتها، بل فنها الذي خلفته؛ لأن الفن لا يعد قديماً أبداً مهما مرّ عليه الزمن، ولذلك نجد أصل معظم ما هو إدراكي وخيالي في الأخلاق يعود إلى الفن، وعندما تفقد الأخلاق الاتصال بتقاليد الفن، تصبح ميتة وعقيمة.

المصدر:
https//www.britannica.com

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©