السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: الجبروت الرمزي

د. عبدالله الغذامي يكتب: الجبروت الرمزي
2 أكتوبر 2021 01:56

مصطلح الجبروت الرمزي ينشأ حين يستقر معنى ما ويثبت حتى ليصبح حقيقةً مطلقةً، وكلما تعاقب عليه الزمن وتواتر القول فيه تعمق في الذهن وانغرس حتى ليكون اجتثاثه شبه محال، مثل التقليل من مقام المرأة مقابل الرجل والأسود مقابل الأبيض، وهذه معانٍ تشكلت في أزمنة ماضية كانت المرأة فيها خارج إدارة القرار المادي والمعنوي، وكان الأسود بضاعة تباع وتشترى، بينما تمضي الثقافة يكتبها الرجل ويصنع رمزياتها ودلالاتها ويصوغ فلسفتها ويكتب شعرها تحت معاني الفحولة، مما يجعل الأنوثة خارج التقدير الفلسفي والثقافي وخارج مجازات الشعر إلا بوصفها مادة للوصف وليست صانعة للصفات، وقد مضت القرون الأولى على هذا المعنى تعزز المعنى منذ أول وأهم كتاب في الفلسفة، كتاب الجمهورية لأفلاطون، وفيه قسمة بين السادة والعبيد كما فيه إلغاء للمرأة، والمرأة في الكتاب نصف رجل، ولكي تكتمل لا بد أن تتمثل خصائص الرجل فتكون محاربةً، وقد اقترح أفلاطون جلب النساء للمعارك تماماً كجلب كلاب الصيد، وهذه هي عبارته، أي أنه يراها مجرد مادة لخدمة الرجل لتغطي على بعض الاحتياجات الحربية كما تفعل الكلاب، ولا شك أن أفلاطون لم يبتكر هذه التصورات، ولكنه ورثها عن ثقافة مجتمعه، وهو هنا يسجلها فحسب ويصنع لها مقاماً تترسخ فيه لتصبح تصوراً كلياً مطلقاً، وفي زمننا الحديث، فإننا سنجد هوليوود تعزز وتطبق جمهورية أفلاطون، حيث تتعزز صيغ استخدامات المؤنث بأسلوب يماثل المجاز الإفلاطوني حول توظيف المرأة توظيفاً يماثل استخدام كلاب الصيد، أي في خدمة مراد الرجل وخدمة التصور النسقي لموقع المرأة الذي سيظل الأقل، والرجل وحده الأعلى وهو صاحب القرار والعقل، وهذا أيضاً ليس مخترعاً لهوليوود، بل هو ميراث مجازي ورمزي ظلت الخطابات الثقافية تعززه في الشعر وفي السرديات وفي الأمثال وفي النكت، وكلها خطابات تعزز من صورة المرأة بوصفها الأقل وبوصفها التابعة، وتزداد حالة التنميط مع صناعة الموضات وعرض الأزياء حيث العارضات أصبحن مجرد كلاب صيد من موروثات ومنتوجات جمهورية أفلاطون، حيث تكشف القصص عن امتهان العارضات واستغلالهن من قبل دور عروض الأزياء. واستغلال أجسادهن وراحتهن الجسدية والمعنوية، وذلك لتحقيق المكاسب على حساب صحة المرأة وحياتها الخاصة ومعنوياتها الذاتية، وهذه هي صورة ورمزية كلب الصيد كما ثبتها أفلاطون تتكرر مع تعاقب الأزمنة وتقبل الجميع لها، وهذا هو الجبروت الرمزي الذي يترسخ حتى ليصبح وكأنه قانون طبيعي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©