الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: اللون بوصفه قيمةً عنصرية

د. عبدالله الغذامي
21 مايو 2022 01:54

اللون محفز مكشوف يفجر ذاكرة الانحيازات، على أن الانحياز البشري ذو ميل غريزي، ولذا فكلما رأينا وجهاً من غير معارفنا السالفة، فإن الوجه يتحرك بوصفه لوناً، وكل لون هو بيئة جغرافية وثقافية فالصين والشرق الأوسط وأفريقيا هي ألوان وليست مجرد جغرافيا ومثلها اللون الأبيض والأشقر، ولذا فاللون سيرة تاريخية وسيرة ثقافية تعززت على مدى أزمنة الثقافة وأزمنة الذواكر البشرية، وحين بداية «كورونا» مطلع عام 2020 تعرض الصينيون للإقصاء والنبذ في مدن أوروبا وتمت تسمية الفيروس بالفيروس الصيني فقط، لأنه رصد أولاً في الصين فنسب لها وطالت النسبة وجوه الصينيين وسحناتهم، وهذه حادثة تكشف المخزون الذي ينتظر فرصته للظهور، وفي تجربة تلفزيونية أميركية لامتحان دور اللون في تفعيل الحوافز العنصرية جرى استخدام فريق مكون من ممثلين من البيض، ومن ضمنهم فتاة بيضاء وفتى أسود، وذهب الفريق لسوبر ماركت في حي غالبية سكانه من البيض، وانتشر الفريق في السوبر ماركت وسط اكتظاظ المتسوقين وحسب الخطة، فقد صرخت الفتاة البيضاء فجأة بأعلى صوتها فالتفت كل من في المكان نحو الرجل الأسود، ولم ينظر أي أحد باتجاه الرجال البيض الذين هم أقرب لموقع البنت، وكانت البنت فقط تؤدي دورها المرسوم في الفيلم الوثائقي لامتحان ذاكرة الناس مع اللون الأسود، وقد تركزت العيون على الفتى الأسود من دون غيره من الوجوه التي تعم الموقع، وهذا امتحان خطير لذاكرة العيون مع اللون، ومثل ذلك حدث في بريطانيا حين قرروا فكرة التفتيش العشوائي زمن شيوع ظاهرة التفجيرات الإرهابية، وتبين أن البوليس يتجهون تلقائياً نحو السود في غالب خياراتهم للتفتيش العشوائي حتى رجل البوليس الأسود يميل لتفتيش السود أكثر من ميله لتفتيش البيض، وهذا كاشف نسقي خطير يدل على تأكيد ما سميته في بحوثي بقانون (تاء/ تاء)، وتعني تتابع معنى ثقافي معين وتواتر القول فيه، والتتابع والتواتر يجعلان المعاني والصور الذهنية تترسخ، وفي ذلك قصة لطفل سعودي كان يدرس في مدرسة ابتدائية في بريطانيا أثناء بعثة والده في مطلع السبعينيات، وحدث أن قال الطفل لوالده إنه لا يحب الجيرمانز ولا الإريبيانز، وحين قال له أبوه نحن إريبيانز يا ولدي رد الطفل بأننا عرب ولسنا إريبيانز، واكتشف الأب أن سبب كره الولد للأريبيانز هو ما يتشربه الطفل من قصص في الكتب المقررة في مدرسته البريطانية وفيها حكايات عن رجال عنيفين ومقززين وكلهم إما ألمان أو عرب، ومن هنا يجري غرس أنماط ذهنية بسمات وصفات وألوان محددة وتنتهي في تمكينٍ عميقٍ في الشعور ويتحول لصيغة تتحكم في البصر العيني وفي البصيرة الذهنية، حسب التواتر والتتابع (تاء/ تاء)، وهذا يعزز فكرة أن ألوان الوجوه علامات نسقية تصنع لها مفاهيم قارةً في النفس، وتنعكس على السلوك المباشر في تقييم أي لون.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©