الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أمين صالح لـ«الاتحاد الثقافي»: من الخطأ اعتبار كل قصيدة شعراً

أمين صالح
2 فبراير 2023 01:21

عبدالوهاب العريض

تعود علاقتي بالكاتب البحريني أمين صالح إلى ثمانينيات القرن الماضي، من خلال مجلة «كلمات»، التي كانت تصدر عن أسرة الأدباء والكتاب في البحرين ويشرف عليها في تلك الفترة الشاعر قاسم حداد، ولكنه كان يكتب قبل صدور المجلة بكثير، حيث ينشغل أمين صالح بالكتابة إضافة إلى وظيفته السابقة (محاسب) في شركة خاصة، ولكنه ما لبث أن تفرغ للكتابة وأصبح ينجز مشاريعه الواحد تلو الآخر، ما بين مجموعة قصصية وروايات وترجمات. وكذلك يكتب السيناريو للأفلام والمسلسلات، ولم يغب عن المسرح أيضاً فقد كتب عدداً من الأعمال المسرحية.
يشغل أمين صالح يومه بالكتابة، ولا يمكن أن تراه دون مشروع يعمل عليه، وقد انشغل مؤخراً بالكتابة عن السينما، ولا يكاد عام يمضي إلا وهناك كتاب أو اثنان له في المجال السينمائي.
وفي هذا الحوار، نحاول التعرف مع أمين صالح على البدايات، ونحاوره عن السينما وعن المكان الذي يجده الأقرب إليه من تلك الحقول الإبداعية، حيث يقول: أجد نفسي في كل حقل من حقول الكتابة. لا أشعر بالضياع أو التشتت أو الغربة. كما لا أشعر بأني ضيف أو متطفل، كلما انتقلت من مجال إلى آخر، ذلك لأنها أشكال متنوعة ومتباينة من الكتابة ذاتها، على رغم اختلاف التقنية فيها، وتفاوت درجة حضور اللغة في شكل عن آخر، وتمايز التعاطي معها من ناحية القراءة والتقييم. إنها الكتابة، ولكن بطرائق مختلفة.. وبالتالي، لا أحس بأني دخيل أو غريب على الفضاء الذي أذهب إليه كلما عنّ لي أن أخوض فيه لسبب أو لآخر، إلا أن المجال أو الشكل الذي أشعر فيه بحريةٍ أوسع، وبطمأنينة أكثر، وبتحدٍ أكبر، هو الشكل الروائي. وبطبيعة الحال، التحدّي يشمل القلق والخوف والتوجس.. وهي مشاعر محفّزة ومحرّضة على الفعل الإبداعي.

* ما هو القلق الذي يشغل بال أمين صالح في الكتابة؟
- إنه القلق الحاد، الموجع، المربك والذي يسبق فعل الكتابة مباشرةً: الخشية من تعطّل إمكانات الكتابة، التوجّس من احتمالية نضوب طاقة المخيلة، رعب المثول أمام الصفحة البيضاء (سواء أكانت ورقةً أم شاشةً) من دون أن تملك الشجاعة على كتابة الكلمة الأولى، الصورة الأولى، التي ستفتح الباب المؤدي إلى العالم الآخر، عالم النص المختلف والمدهش. الصفحة البيضاء هي التي تقلقني. وإزاءها أشعر بالفزع. في هذه اللحظات المخيفة والمرهقة، التي تسبق فعل الكتابة، تبدأ الرعشة التي تعتريك عادة حين تبادر الحمّى في التسلّل عبر خلاياك لتخضّ كيانك بعد قليل. لحظات ترتاب فيها من قدراتك، من طاقاتك، من إمكاناتك.. وتتساءل: هل سأقدر على كتابة نصي الجديد، الذي لم يُكتب بعد، أم يغلبني عجزي فأخفق؟
هذا هو القلق الذي ينتابني كلما جلست لأشرع في الكتابة، وهو القلق الذي ينتاب الكثيرين، لذلك نصح إرنست همنجواي الكُتّاب بأن يعودوا إلى كتاباتهم السابقة، ليستمدو منها الثقة والقوة، فإذا كان باستطاعتهم في السابق كتابة كل هذه الأشياء، الجميلة والصعبة، فإن بإمكانهم الآن فعل ذلك مرّة أخرى! وهمنجواي كان يلجأ إلى هذه الحيلة كلما واجه مشكلة عند الكتابة، ولكننا نعلم أيضاً أن هذه الحيلة لم تنجح طوال الوقت مع همنجواي نفسه، ففي المرّة الأخيرة التي شعر فيها بعجزه عن الكتابة، كانت نهاية حياته المأساوية.. أو هكذا قيل لنا!

الدراسة في فرنسا
* حدثنا عن تجربتك خلال الثمانينيات في الرغبة بدراسة السينما في فرنسا؟
- الرغبة في دراسة السينما كانت في سنوات السبعينيات، وتحديداً في عام 1974. كنا أربعة أصدقاء، مولعين بالسينما. وقد فاض الولع حتى قررنا خوض تجربة الفعل السينمائي عملياً وليس فقط الاكتفاء بالمشاهدة والفهم النظري. ولذلك فكرنا في دراسة السينما. وكان طموحنا عالياً، إلى حد أننا قررنا دراسة السينما في باريس أو بلجيكا. الصديق الشاعر يعقوب المحرقي وزوجته كلثم أمين نجحا في الحصول على منحة لدراسة السينما في باريس، في حين لم يحالفنا نحن الحظ، أنا والصديق عبدالله يوسف (متعدد المواهب في التشكيل والمسرح والدراما)، فاكتفينا بدراسة أساسيات اللغة الفرنسية لمدة شهرين تقريباً (ونسيناها بعد فترة وجيزة)، ثم عدنا بعد أن أخفقنا في الحصول على منح دراسية، وبعد أن خلت جيوبنا من النقود! هكذا غيّرنا الدفة واتجهنا نحو الدراما التلفزيونية، أنا ككاتب، وعبدالله كمخرج لعدد من السهرات والمسلسلات التلفزيونية.

* هل هذا هو سبب وجود أمين صالح في فترة الثمانينيات بقوة في كتابة الدراما التلفزيونية؟
- في الثمانينيات، انحصر نشاطي، في مجال الدراما التلفزيونية، على ثلاث سهرات (أفلام تلفزيونية): العطش (1980) العربة (1984)، كلاهما من إخراج عبدالله يوسف. «يونس والآخرون» (1989) إخراج بسام الذوادي. أما في التسعينيات، مع توفر عدد من المخرجين الموهوبين والطموحين، إلى جانب العناصر الفنية المتدرّبة، وتوجّه إدارة التلفزيون لتفعيل قسم الدراما، وإنتاج الأعمال الدرامية، فقد برز عدد من كتّاب السيناريو الذين اجتهدوا في كتابة أعمال جيدة ولافتة. وبالنسبة لي، كانت سنوات التسعينيات مجالاً خصباً لتجربة الكتابة الدرامية، وتنميتها وتطويرها. وبسبب تنوّع تلك الأعمال الدرامية، وجديّتها وجودتها، فقد شهدت حضوراً قوياً في الساحة المحلية والخليجية.
شخصياً، أعتبر تلك التجارب دروساً مهمة في تشكيل هويتي ككاتب في هذا المجال.

* تقصد أن هناك تأثيراً من خلال كتابة القصة والرواية لدخولك في عالم الكتابة المتسع من خلال الدراما؟
- لا شك أن هناك تأثيراً ملحوظاً، من حيث البناء والسرد وتشكيل الشخصيات. ولكن كتابة القصة أو الرواية ليست بالضرورة مدخلاً طبيعياً وسهلاً للانتقال إلى كتابة الدراما التلفزيونية. أنت هنا تتعامل مع تقنية مختلفة، تقنية سمعية بصرية تقتضي منك دراسة أو تأمل المشهد من زاوية مختلفة. اللغة الأدبية لن تسعفك، وربما لن تحتاج إليها إلا في حدود معيّنة في الحوار، فلا وصفاً هنا، ولا صوراً أدبية، ولا سرداً قصصياً، ولا تشبيهات، ولا بلاغة لغوية، ولا قواعد لغوية من صرف ونحو!
هنا، أنت تحتاج إلى خلق الكثير من الأحداث المثيرة، والتوسع في تقديم وتحليل العلاقات الدرامية بين الشخصيات، وإبراز التناقضات الاجتماعية والعاطفية التي تضرم الصراعات وتؤججها ضمن حبكات مشوقة.. كل هذا من خلال رؤية سمعية بصرية واعية.

تسمية متناقضة 
* بعضهم يرى أن نصوص أمين صالح أقرب إلى المشاهد البصرية مثل «ندماء المرفأ ندماء الريح»، التي اعتبرها بعضهم بداية دخول أمين إلى عالم كتابة القصيدة النثرية؟
- لا أميل إلى التعليق على الآراء أو الملاحظات أو الأحكام النقدية، فهي من حق الناقد أو القارئ طالما أن النص يرغب في التواصل معه.
من جهة أخرى، أشعر بضرورة إبداء تحفظي على مصطلح «القصيدة النثرية»، هذه التسمية التي أراها متناقضة ومربكة، بل لا تعني شيئاً، لأنها تجمع شكلين أو مفهومين أدبييْن تحت تسمية واحدة، ويُراد منها أن توصل مفهوماً أو تصوّراً معيّناً.
يمكن للنص النثري أن يكون شعرياً، لكن لا يمكن أن يكون قصيدةً في الوقت ذاته. ثمة تعارض شديد. كما أن من الخطأ اعتبار كل قصيدة شعراً بالضرورة، وكما جرت العادة، إذا كانت القصيدة تخلو من أي ملمح شعري، وإذا كانت تفتقر إلى الطاقة الشعرية. إذ ليس كل ما يُصنّف كقصيدة هو شعر بالضرورة.
* ما هي آخر إصدارات أمين صالح على المستوى الإبداعي أولاً والمستوى السينمائي ثانياً.
- بعد رواية «المياه وظلالها»، الصادرة في 2019، لم أكتب نصاً أدبياً. آمل في هذا العام أن أتمكن من التفرّغ للكتابة. أما في المجال السينمائي، فإنني عاكف الآن على إعداد كتاب عن المخرج الفرنسي الكبير جان لوك غودار.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©