الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

بخيته الفلاسي: ماضينا جميل

بخيته الفلاسي: ماضينا جميل
17 مايو 2020 00:29

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

بخيته بنت قنون سعيد الفلاسي، امرأة صقلتها أجواء البادية وتقاليدها السامية، والتي تعتبر من رواة التراث الشفهي الإماراتي، والتي برعت أيضاً في الصيد في البراري بمختلف أدواته التقليدية، تؤكد أن رمضان فرصة لمحاورة الطبيعة، بحيث تصر على قضاء جميع أيام رمضان في البر لتستدعي أجمل ذكريات الطفولة والشباب المتمثلة في التآزر والتآخي والتسامح ضمن أجواء تراثية وثقافية جميلة كقرض الشعر وسرد الخراريف وقراءة القرآن والصلاة في جوف الليل. 

تسرد الراوية بخيته الفلاسي من ذاكرتها جوانب مهمة من حياة المرأة وعملها إلى جانب الرجل خلال رمضان وباقي الأيام من تاريخ الوطن والأعوام التي سبقت قيام الدولة، وعُرفت الراوية بخيته الفلاسي بالاحترام الكبير لوالدها الشاعر الشجاع، وبرعت في فنون الصيد في البراري بمختلف الأدوات التقليدية، والوسائل المعروفة، وتشربت مفاهيم البداوة وقيمها النبيلة وتحملت المسؤولية وهي صغيرة السن عندما توفيت والدتها.

وقالت إن حياة البدو كانت صعبة، لكن كانت تسودها كل معاني النبل من شجاعة وشهامة وتضامن وتكافل وتآزر مع الجار، مؤكدة أن المرأة في رمضان كانت تعتبر محور البيت، بحيث تعمل داخله وخارجه، ومطالبة وبشكل تلقائي بالمبادرة ومساعدة الجارة والوقوف معها وقت الحاجة، مشيرة إلى تجمع النساء لطهي الطعام من العصيد والخبز والعيش والخبيص وباقي الأكلات الشعبية، بينما كانت تدبح الذبائح، في ظل التكافل، حيث كان من يتوفر على «حلال» كثير من أغنام وماعز يسمح لجاره بالحلب واستغلال «حلاله» خلال الشهر الكريم وبعده، كما كان من يتوفر على ماعز وغنم يذبح الذبائح ويوزعها على جيرانه، ضمن أجواء يسودها التعاون والتكافل، حيث كان الجيران بمثابة أسرة واحدة. 

مسؤولية
وأضافت: «حياتنا كانت جميلة لا يشوبها الفراغ أبداً رغم قساوتها، تبدأ قبل شروق الشمس وتنتهي مع غروبها، ورغم التعب الناجم عن أشغال البيت والرعي وسقي الماء والاهتمام بالماشية، كان التراب كفيلاً بامتصاص وجع قدميّ، كنا ونحن أطفالاً لا نشعر بالتعب أو الملل أو الضجر، نعمل ونعمل من دون توقف، وكانت أجمل مكافأة لنا حلاوة يأتي بها أهلنا من الجميرا.. وكان أطفال زمان يتحملون المسؤولية وهم صغار، ما يجعلهم يتمتعون بشخصية قوية وقيادية، فالفتاة كانت تتأهل للزواج وهي صغيرة، وهذا ما حصل لي، حيث تزوجت وعمري أن ذاك صغير، وبدأت حياتي في بيتي بعد أن كنت أتحمل مسؤولية بيت والدي. حيث توفيت أمي وأنا صغيرة، وربتني جدتي، وتحملت المسؤولية وأصبحت يد والدي اليمنى، ولم تكن فترة سهلة، كنت أرعى الحلال من بوش وغنم، وأراعي البيت من تنظيف وجلب الماء، وإعداد الأكل، حيث كان البيت يعتمد على المرأة منذ نعومة أظافرها، وكانت النساء يعملن على تجهيز بيت الشعر من صوف الغنم، وبعد مرور الصوف في عدة مراحل قد يستغرق العمل على بيت شعر واحد سنة كاملة، وكان يتكون من 20 متراً. 


عاشقة الصيد 
علمتها الحياة ركوب المصاعب والتحديات، فكانت تصيد بالصقر والسلوقي وخبرت جميع حيله لتغنم آخر النهار بطرائد مهمة، ولا زالت تعشق الفلاسي حياة البداوة إلى اليوم، ففي البر تجد سعادة لا متناهية في مراقبة النجوم والتماهي مع الطبيعة التي تسري في أوصالها، تصر على إعداد الطعام في رمضان بنفس الطريقة القديمة، مؤكدة أن الحياة لا تحلو لها إلا في البر، حيث تعيش مع الطبيعة ولها. 
وورثت الفلاسي عشق الكلمة والصيد بالصقور وورث عنها أبناؤها هذه الموهبة والهواية، حيث أشارت إلى أن جميع أبنائها وأحفادها يعشقون الصيد بالصقور ويمارسونها ويشاركون في المسابقات المحلية والدولية. 

خراريف
وتشير الراوية بخيته الفلاسي والتي ولدت في منطقة غفر بين إمارة أبوظبي ودبي أنها كانت حريصة على توثيق ما استقته من الآباء والأجداد وتوثيق تلك المفاهيم والقيم العريقة التي نشأت عليها، ولأن والدها كان شاعراً شجاعاً ذا شخصية قوية لها نفوذ وكان شغوفاً بالقنص فإنها ورثت عنه هذه المواهب، لاسيما أنها كانت يده اليمنى، فأصبحت راوية تجيد سرد القصص التراثية والقيم التي ارتبط بها سعياً منها لاستدامة التراث إلى جانب سرد الخراريف المحملة برسائل عدة، مؤكدة أن الحياة في تلك الأيام كانت تشهد الكثير من الأحداث في رمضان مثل تجمعات الرجال بعد صلاة المغرب إلى العشاء والتنافس على قرض الشعر ورواية القصص البطولية والخراريف مثل قصة أبوزيد الهلالي، وغيرها من القصص التي تشحذ الهمم وتقوي العزيمة لأناس جعلوا من الصحراء بيوتاً لهم. 

جرأة وإقدام
بخيته الفلاسي نشأت في بيئة صحراوية تتطلب تقاسم لقمة العيش والعمل بروح الفريق والالتزام بالأعراف والمبادئ التي يلتزم بها جميع أفراد الفريق ويجتهد الرجل والمرأة والصغير والكبير لتوفير العيش الكريم، مؤكدة أنها زاولت أعمالاً صعبة منذ كانت في التاسعة من عمرها مثل الصيد بالخيط وبالقفاصة وبالطير وبالكلاب السلوقية، وقال: «كنت أبحث عن سرب الضب وأنصب الخيط عند مدخله وأمسك بالحيوان عند دخوله أو خروجه من السرب، كما كنت أقتفي أثر الأرانب وأعود محملة بالطرائد، ناهيك عن عمل البيت، فكنت أتميز بالجرأة والإقدام». 

المنحاز صوت المهارة
كانت الحياة بسيطة وجميلة ومنظمة، ولازالت عند بخيته الفلاسي، التي تعيش بالطريقة نفسها، حيث كانت المرأة في السابق، تنام مبكراً، وتصحى مبكراً، لتبدأ أشغال بيتها، وأول ما تقوم به دق القهوة، وكان صوت المنحاز دليلاً على مهارة سيدة البيت ومنبهاً لباقي الجارات اللواتي كن يتنافسن على النهوض مبكراً والقيام بكل ما يتطلبه البيت من تنظيف وجلب الماء وحلب الغنم أو رعي الجمال والاهتمام بها، وإعداد الأكل، وكانت تقاس قوة المرأة بتحملها لأعباء البيت ونجاحها في هذه المهمة.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©