الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«ساكنة بك».. مطربة الخديوي إسماعيل

«ساكنة بك».. مطربة الخديوي إسماعيل
13 يونيو 2020 00:12

محمد الجداوي (أبوظبي)

منذ أن قدّمت الفنانة سهير المرشدي دور المطربة «ساكنة بك» «1801 - 1892م» في الجزء الأول من المسلسل التاريخي، «بوابة الحلواني»، تأليف محفوظ عبدالرحمن، وتعلق المصريون بهذه المطربة وحكايتها مع الطرب والغناء، و«ساكنة بك»، هي أول مطربة مصرية ظهرت في عهد الخديوي عباس الأول «1813 - 1854م»، فبزغ نجمها في مجال الغناء وتعلق بها الناس، لأنها كانت تغني بالعامية، الأمر الذي حقق لها انتشاراً واسعاً آنذاك.

يقول الروائي الراحل، مكاوي سعيد، في كتابه: «القاهرة وما فيها»، حكايات، أمكنة، أزمنة».. تعد ساكنة من أقدم المغنيات عهداً، فهي أول مطربة ظهرت في عصر الخديوي عباس حلمي الأول، وبزغ نجم سعدها في سماء الغناء في عهده، وزاد ضياءً في عهد خليفته «سعيد باشا» والي مصر، وكانت متصفة بحسن الصوت، الذي ترسله إرسالاً من دون عناء، فيبلغ صداه الرائع الغادي، والبعيد والقريب، وأعجب بها الترك الذين كانوا مقيمين بمصر، وكان لها مزاح يضحك الحزين ويفرح قلب العابد؛ لما طوت عليه من تهذيب لسان، وخفة روح، وقوة البديهة وسرعة الخاطر، وكان المزاح في ليالي الأفراح عادة مألوفة في مصر، حتى في عهد «عبده الحامولي»، الذي كان فيه يحتّم على صاحب العرس أن يستحضر مضحكين ينزلان إلى ميدان المضاحكة بين كل وصلة غناء وأخرى تخلصاً من الملل في أثناء انتظار تصليح الآلات وتجهيزها للعزف.

أكشاك الأزبكية
وتعتبر «ساكنة بك» أقدم المغنيات في العصر الحديث بعد مجموعة مغنيات العصر المملوكي، ولمع اسمها في عهد حكم أسرة محمد علي، حيث كانت تغني وتحيي ليالي السمر في أكشاك الأزبكية التي كان يغلب على الأداء فيها فرق الشارع أو جوقات الجيش والبوليس وأحياناً مسرح خيال الظل وبعض الموسيقيين ممن يؤدون الغناء الشعبي.
على بعد أمتار قليلة من مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها في شارع الخليفة بالقاهرة، كانت تعيش سيدة الغناء العامي ومطربة الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر «ساكنة باشا»، كما يلقبها الشعب - بعدما منحها الخديوي لقب «ساكنة بك».

المطربة الأشهر
ولدت «ساكنة بك» بالإسكندرية، وانتقلت إلى القاهرة، وهي المطربة الأشهر في مصر في القرن التاسع عشر، ويذكر أحمد أمين في كتابه «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية أنها كانت من مشاهير المغنيات، وكانت تشتغل فاعلة تحمل المونة في القوالب وتغني للفعلة، ثم اكتشفت حسن صوتها بالمصادفة، وكانت أول من منحت رتبة البكوية، عندما ناداها الخديوي «إسماعيل» «1830 - 1895م» ذات مرة بـ «ساكنة هانم»، فاغتاظت الأميرات، فنكاية فيهن منحها الخديوي البكوية رسمياً، وهي أيضاً أول من منح راتباً شهرياً من البلاط الخديوي، وفاقت شهرتها الآفاق في عهد الخديوي «عباس الأول» «1813 - م1854»، ثم «سعيد باشا» «1822 - 1863م».

الكرم والجود
ويقول الباحث عمرو علي بركات في كتابه صفحات نادرة من تاريخ العوالم «سيدات الطرب والغناء.. من أيام المماليك حتى أوائل القرن الماضي»، والصادر عن مركز الهلال للتراث الصحفي عن «ساكنة بك»: بلغت شهرتها الأستانة، فقد روى «مصطفى السعيد» مدير مؤسسة التوثيق والبحث الموسيقى، إنها ذهبت صحبة حريم الوالي «عباس حلمي الأول»، فأحيت بعض السهرات في قصر «يلدز»، تعرفت عليها عن طريق «لوسى دوف جوردن» «1821 - 1869م» الرحالة المستشرقة الإنجليزية، في رسائلها إلى زوجها من مصر، والتي جمعها ونشرها حفيدها، حيث ذكرت «ساكنه بك» حين التقت بها في إحدى الحفلات، فقالت عنها في رسائلها: «ساكنه العربية تبلغ الخامسة والخمسين من العمر، وهي قبيحة الوجه كما قيل لي، كانت ترتدي حجاباً، ولم يمكن رؤية شيء سوى عينيها، ولمحات من فمها، وهي تشرب الماء، ولكن لها قواماً كالنمر في الرشاقة، والجمال، وصوتها رائع في طبيعته، خشن، ولكن مبهر، كصوت مالي بران... وهي مسلمة وغنية جداً وكثيرة الصدقات، وتحصل على 50 جنيه استرلينياً على الأقل مقابل الغناء ليلة واحدة».

هلال «ألمظ»
استمرت ساكنة على قمة الغناء في عصرها إلى أن ظهر في أفق مصر هلال «ألمظ»، فأخذ ينمو ويكبر حتى أضحى قمراً منيراً، ومنذ ذلك الحين بدأ نجم ساكنة بالأفول .. كانت «ألمظ» «1860 - 1896م» مطربة صاعدة حين استمعت لها سيدة الغناء وقتها «ساكنه بك»، فأعجبت بها وضمتها إلى فرقتها، إلا أن المنافسة دبت بينهما، بعد إعجاب الجمهور بالفنانة «ألمظ»، فقررت ترك فرقة «ساكنه» وكونت لها فرقة خاصة، وكانت «ساكنه» تغني في بدايتها أشعار «ابن الفارض»، وكانت «ألمظ» تذهب إلى حفلاتها بموكب رسمي، حتى فاقت نجوميتها «عبده الحامولي» «1836 - 1901م»، وكانت تنشأ بينهما مداعبات، ومغازلات حين يجمعهما فرح أحد الأثرياء، فتغنى «ألمظ»: «عدي يا المحبوب، وتعالى وإن مجتش أجيلك أنا»، وكانت تغنى له، حيث كان يركب «الحامولي» معدية في النيل للتوجه إليها، «ياللي تروم الوصال وتحسبه أمر ساهل.. ده شيء صعب المنال وبعيد عن كل جاهل»، فيرد عليها «الحامولي» قائلاً: «روحي وروحك حبايب من قبل دا العالم والله»، فنشأ الحب بينهما، وتزوجا وتوفيت «ألمظ» ولم تنجب من «الحامولي».

السلطنة والصهبجية
أعجب غناء «ساكنة بك» عامة المصريين لكونها كانت تغني بالعامية، وكانت صاحبة صوت جميل ووجه حسن، كما كانت أيضاً ذكية وسريعة الخاطر ولهذا تعلق المصريون بها كتعلقهم في منتصف القرن العشرين الماضي بأم كلثوم، كما أنها كانت مدركة لأشكال الغناء المختلفة من المديح وأغاني الأفراح والموال، وكذلك الموشحات وأغاني السلطنة والصهبجية.

رحلت بلا ثروة
عمرت «ساكنة بك» طويلاً وتوفيت في الغالب بعد مرض عضال، إما في أواخر عهد الخديوي توفيق أو في أوائل عهد الخديوي عباس حلمي الثاني أي حول عام 1892م ولم تترك شيئا يذكر سوى بيتها، حيث رحلت دون أن تترك أبناء أو ثروة، لأنها كانت تنفق أموالاً طائلة على نفسها وعلى أقاربها وأصدقائها وأهل المنطقة التي كانت تسكن بها، وقد رثاها شعراء عصرها في ذلك الوقت.

هدية
عن بيت «ساكنة بك»، أول مطربة مصرية ظهرت في عهد الخديوي عباس الأول يقول المهندس طارق بدوي في مقال له في جريدة أبو الهول المصرية عدد 12 - 2018 بني هذا البيت والي مصر محمد علي باشا عام 1846م للأمير إسماعيل، ثم أهداه إسماعيل لساكنة بك تقديراً منه لموهبتها النادرة في الغناء.
ويتميز البيت بأنه مبني على طراز يعد خليطاً من البناء العثماني التركي والبناء الأوروبي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©