الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

الابتكار.. ابن الحرية وأبو الرخاء

الابتكار.. ابن الحرية وأبو الرخاء
4 يوليو 2020 00:24

جون جيرتنر*

يخبرنا «مات ريدلي» في بداية كتابه الصادر في مايو الماضي عن دار «هاربر» بعنوان «كيف يعمل الابتكار: وسبب انتعاشه في الحرية»، أن الابتكار «هو أهم حقيقة في العالم الحديث لكنها الأقل فهما». ورغم أن الابتكار محرك قوي للرخاء فمازال يمثل «أحجية كبيرة» تحير علماء التكنولوجيا والاقتصاديين وعلماء الاجتماع على السواء.

في جوانب كثيرة، لدى «ريدلي» بعض الحق. فبعد عقود من الدراسة الدقيقة ما زلنا غير متأكدين تماما بشأن أسباب الابتكار أو أفضل طريقة يمكن بها تغذيته. فهل الابتكار متعلق بعبقري واحد، أم أنه أكثر قرباً لكونه منتجاً لعمل مضن من فريق؟ هل يحدث كضربة برق أم يستغرق سنوات أو حتى عقود حتى يظهر؟
بل حتى لا يمكننا الاتفاق على تعريفه. وبصفة عامة، الابتكار أكثر من مجرد كونه فكرة أو اختراع. لكن فيما يتجاوز هذا تصبح الأمور أكثر إرباكا. ونحن نعيش في لحظة نواجه فيها كماً هائلاً من الأشياء الجديدة مثل الهواتف الجديدة والأغذية الجديدة والتقنيات الجراحية الجديدة. وفي عصر الجائحة تواجهنا اختبارات طبية جديدة وعقاقير جديدة أيضاً. لكن أي الأشياء تمثل ابتكارات حقيقية وأيها تمثل تنويعاً جديداً لمنتجات قديمة؟ وهل الابتكار مقتصر على التكنولوجيا أم أنه قد يتضمن إضافات جديدة لثقافتنا مثل الأعمال الأدبية والفنية المميزة؟
كاتب هذه السطور يُعرف عادة الابتكار بأنه منتج جديد أو عملية جديدة لها تأثير واسع النطاق. والابتكار عادة يكون شيء يساعدنا على ما نقوم به بالفعل لكن بطريقة أفضل أو أرخص. والإضاءة تمثل نموذجاً ممتازاً. فقد انتقلنا، مع مرور الزمن، من الشموع إلى مصابيح الوقود ثم إلى مصابيح الاشتعال بالكهرباء ومصابيح الفلورسنت ثم الآن تحولنا إلى مصابيح «ليد». ومثال آخر هو عملية هاربر-بوس لإنتاج السماد الزراعي وهي واحدة من أكبر إنجازات القرن العشرين التي غير قدرات الإنتاج الزراعي.
ويحملنا «ريدلي» في النصف الأول من كتابه في رحلة عبر المراحل البارزة في تاريخ الابتكار. فنتعرف على أوائل مطوري محرك البخار، ونطالع الأحداث التي أدت إلى رحلة «الأخوان رايت» الأولى لتجربة الطيران، ونسمع عن عملية إنتاج السماد الزراعي. وهناك أيضاً جولات في الأيام الأولى لظهور السيارات والكمبيوتر واكتشاف لقاح الجدري وإنتاج مياه نظيفة للشرب. كما هناك قصص تقودنا إلى أصل «الثورة الخضراء» في الزراعة، التي خففت المجاعة عن أكثر من مليار شخص.
والنصف الثاني من الكتاب ينظر «ريدلي» عن كثب إلى العوامل التي شكلت الابتكارات التي أنفق في وصفها 200 صفحة في بداية كتابه. وهذا النصف الثاني من الكتاب أكثر اعتماداً على فن الجدل في نهجه لكنه أكثر تشويقاً. ومع مضي «ريدلي» قدماً في كتابه فإنه يوضح أنه لا يقدم معالجة أكاديمية للتاريخ العلمي.
فقد راقه في الأساس أن يقدم حجة لأهمية مبادئ السوق الحرة وسبب أهميتها في تحسين عالمنا وحياتنا. وأهم فصول «ريدلي» وأكثرها تشويقاً في كتابه هي تلك التي يلفت انتباهنا إلى «النماذج المتسقة بشكل مذهل»، التي تصف عملية إنتاج أشياء جديدة. وهو يخبرنا أن الابتكار يحدث عادة تدريجياً رغم ميلنا إلى الاعتقاد بالفتوحات في الابتكار. وكتب يقول: «لا يمكنك القول عن يوم ما إن الكمبيوتر لم يكن موجوداً قبل هذا اليوم وأصبح موجوداً بعده».
ويوضح أيضاً أن الابتكار ربما ليس إلا توافر أشخاص ملائمين يحلون مشكلة ملائمة في وقت ملائم، وهذا ينطوي عادة على عمل مرهق من المحاولة والخطأ، وليس تطبيقاً لفكرة نظرية لدى شخص عبقري. وضرب مثلا بحالة «توماس إديسون» واختراع المصباح الكهربائي.
ولم تحظ الابتكارات التي تطلبت عملاً أكاديمياً أو تمويلاً من الدولة إلا بالقليل من الاهتمام لدى «ريدلي» مما قد يجعل المرء يفترض أن أي ما تفعله الحكومة عن طريق الاستثمار أو اللوائح يعرقل أكثر مما يساعد قضية التقدم. ولذا لم يطل الكتاب الحديث عن تطوير القنبلة الذرية التي اعتمدت بشكل شبه كامل على سخاء الدولة. ولن يجد القارئ الكثير عن الكلام وحدات الطاقة الكهروضوئية الشمسية ولا يوجد إشارة إلى معمل راد في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا الذي ساعد- بفضل الابتكار البريطاني «الصمام المعناطيسي الإلكتروني»- في تطوير الرادار. ولم تشر قصة «ريدلي» عن نشوء «جوجل» إلى أن مؤسسيها تلقوا في بداياتهم منحة من مؤسسة العلم القومية.
وفي نهاية الكتاب من الصعب ألا يسأل المرء إذا كان المؤلف قد تجنب الأسئلة الصعبة في الموضوع. فإذا كان المرء يسأل عن مدى التغيير الذي أحدثته القدرات التكنولوجية الجديدة في طبيعة وايقاع الابتكار منذ أيام محرك البخار، فلن يجد إجابات مرضية في هذا الكتاب.
والواقع أن خلاصة «ريدلي» الأساسية هي أن الابتكار هو «ابن الحرية وأب الرخاء»، لكن ربما من المعقول فيما يبدو أن نؤمن أن مسعى الابتكار سيكون حسنا ما دمنا نواصل تشجيع وتحفيز الرجال والنساء الذين يحاولون حل المشكلات المهمة. ولا يتعين علينا بالضرورة أن نضع إطارا أيديولوجيا لنفسر ما يحدث. وعلى سبيل المثال، يعكف أكثر علمائنا ومهندسينا ذكاء الآن على مدار الساعة حول العالم، من أجل التوصل إلى لقاح ضد فيروس كورونا. إنهم يعالجون مشكلة كبيرة بكثير من التمويل وكثير من المواهب وعمل فرق البحث والطموح. ألا يعمل الابتكار بهذه الطريقة أيضا؟
...........................................................
*صحفي ومؤرخ أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©