الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

سلمان زيمان.. أوتار قيثارته جدائل للأجراس

سلمان زيمان.. أوتار قيثارته جدائل للأجراس
8 أغسطس 2020 00:40

نوف الموسى

أن تكتب من الإمارات عن الفنان والموسيقي البحريني الراحل سلمان زيمان، فأنت بذلك تبثُ شكلاً واعياً للحب بلغةٍ عالميةٍ أوسع، تُقر بها أن المسافة في حدودها وأطرها اللا نهائية، تذوب تماماً أمام حضرة الموسيقى.
صحيح، أن مملكة البحرين قريبة منّا.. قريبة جداً، تاريخياً واجتماعياً وثقافياً، إلا أننا نود هذه المرة قُرباً ممزوجاً بحميمية الإيقاع، أن نستدرج الحس والتجربة الشعورية لكلينا، ونضعها في منتصف النوتة، كما كان يفعل سلمان زيمان، في استحضار اللون الغنائي العدني، وينبت من تربة «المحرق» أرض طفولته، وعياً موسيقياً بالصورة الشعرية في القصيدة الفصحى، ويرخي أوتار قيثارته لنستدل منها على الماء، وإلا لِم غنى للشاعر مسفر الدوسري: «صوتج والعطش أخوان، صوتج والمطر جيران»، لتكون بذلك ألحانه جدائل ممدودة في قلب «الأجراس» اسم الفرقة الأنيقة التي أسسها في عام 1982 مع مجموعة متخصصة من الأكاديميين والدارسين للموسيقى، وقبلها كان الشريط الأول «أقبل العيد» في عام 1979، عبارة عن بروفة لـ 7 أغان، ناتجة عن تأثره العميق بالفنان القدير كرامة مرسال، وللوصول إلى الشريط الثاني «الحب أسرار»، تقودنا التجربة إلى أبرز رؤية في مسيرة فنان عاش ضمن محيط ثقافي وسياسي يبحث ويتعمق في قضايانا بالخليج إلى بلدان العالم العربي، في أنه يحضر في جميعها بإنسانيته الرهيفة، قد تجدها في أغانية كمثل أغنية «الطائر الهيمان» يسأل بصوته لم يبحث هذا الطائر عن حبه في الأغصان؟، ويراودك أنت المستمع في أن سلمان زيمان هو شجرة الحب الندية، وأغانيه جذور ممتدة فينا.. ونحنُ أوطانها.

«ولي في ربوع الشمال غرام.. حي وزنبقة طاهرة، تعيش على حلمها باللقاءِ.. على دفء أمنية عطرة، على وجهها سمة الأبرياءِ.. وفي خدها حمرة آسرة، وفي رأسها فكرو العاشقينا.. وفي عينها فرحة حائرة».
تسمع تلك الكلمات، في أغنية «ربوع الشمال»، قال عنها سلمان زيمان - مواليد 1954 - إنها ذات قافية طربية، أراد بها شد روح المستمعين نحو أغانيه الأخرى ذات الحضور العميق، كعادته زيمان يتحسس الأشياء قبل إطلاقها للحياة، لذا ترتبت له التفاصيل اليومية، وتآمر الكون كله، لينير الطريق له نحو الموسيقى، وكانت القصة الأشهر هي استماعه لأشرطة تعود إلى طالبين هما أخوة من البحرين، درسوا معه في بغداد، في المرحلة الجامعية، اعتادوا أن يستمعوا للغناء العدني طوال الوقت، وأثروا على حساسيته المفرطة من متخصص في الهندسة الميكانيكية إلى فنان متمرس في عشقه للإيقاعات.

ورغم اندفاعه الجاد بتجاه «الدرمز»، ولكن يديه قررتا أن تتشكلا عبر آلة القيثارة، أن تختارا الموقف بين وتر وما يوازيه، وبذلك يسرد حكايته محولاً «الجيتار» إلى آلة «عود»، تفرداً مغايراً يعبر به عن روحه، وذلك قبل أن يسبقه أخوه الأكبر خليفة زيمان بإحضار الكمان إلى البيت، كأول آلة تفتح ستارة مسرح الحياة الموسيقية، لكل عائلة وإخوة سلمان زيمان، وبالنسبة لي، فإن حكاية تصفير والد سلمان زيمان، عندما كان يعمل في البيت، والتي وصفها سلمان بأنها نغم لبعض الجمل الموسيقية، لعبت دوراً محورياً بجانب الأمثال الشعبية التي استمع إليها من والدته جميعها المكونات الموسيقية الأولى، إضافة إلى الدلائل الجوهرية المشيرة إلى مدينة «المحرق» في كونها إحدى أبرز الاستدلالات الروحية للموروث الفني الشعبي في مملكة البحرين، ومع ما شهدته الستينيات والسبعينيات من تشكلات للوعي الثقافي في منطقة الخليج العربي، ينطلق سؤالنا نحو دورها في تشكل الحضور الموسيقي للراحل القدير سلمان زيمان.
«إنه سر الحس الموسيقي منذ الطفولة»، الإشارة الأولى لناقد والكاتب البحريني د. فهد حسين عضو أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، حول سؤال الوعي الموسيقي لدى سلمان زيمان، وتابع حديثه: بدأ الوعي الموسيقي للفنان سلمان زيمان ينمو في العراق أثناء دراسته، وتأثره بالإرث الفني والغنائي اليمني العريق، وهذا التأثير صقل إحساسه الموسيقي، ما جعله يبث الموسيقى في كونها ثقافة، نتج عنها تأسيس فرقة موسيقية، تقدم أغاني تلامس روح الإنسان، وفيها «الحب» حالة سامية تتجاوز الاهتمام بعاطفة سطحية مؤقتة، بل محاكاة لظروف الإنسان وعلاقته بالآخر.
نعم «العدنية»، وضعت زيمان عند عتبة الفن، وأعطى للأغنية اليمنية عبر إضفاء آلة القيثارة، نمطاً حديثاً للأذن، وهو بذلك رسم لنفسه أداء متفرداً، وطريقة معينة، ساهمت في إيصال الأغنية العدنية للمستمع البحريني والعربي.

يستحق فنه الاستمرارية لإمتاع الأجيال
«سلمان زيمان فنان تربى على الوعي في كل ما يقدمه، وليس فقط الوعي الموسيقي، هناك الوعي الثقافي والوعي المجتمعي والوعي الفني الشامل الذي يحوي السينما والفن التشكيلي والمسرح، ونجد هذا واضحاً في أغانيه وأبريتاته التي قدمها جميعاً».
هنا يشير المخرج السينمائي البحريني بسام الذاودي، حول تلك المكونات الفعلية للفنان الراحل سلمان زيمان، مستكملاً سرده حول تفاصيل حضور تجربة زيمان بقوله: أخرجت الكثير من أعمال سلمان زيمان وفرقة أجراس خلال الثمانينيات، كنت مولعاً بالنمط الجديد بالنسبة لي وقتها، ومتحمساً لها، حيث شعرت كمخرج سينمائي بالصور الواضحة التي يقدمها لي سلمان زيمان في أغانيه، فمعظم أغانيه وأغاني فرقة أجراس بالنسبة لي كانت من الممكن أن تتحول لفيلم سينمائي لوجود الصورة في اللحن وطريقة الأداء، والعمق في المعنى والبساطة في الطرح، حيث إن أغاني سلمان فيها شمولية في الطرح والأداء، فمثلاً تستمع إلى الروح اليمنية أو السودانية مغلفة بروح غربية تنساب من فمه وفم أعضاء الفرقة بروح بحرينية.
ولفت الذاودي إلى اعتقاده بأن معظم أغاني الفنان الراحل سلمان تحوي الكثير من الأبعاد من حيث المعنى والصوت واللحن، فالأغاني بها الكثير من الروح التي تدفع بمستمعها إلى أن يكون أفضل من ناحية فكرية وعاطفية ومعنوية، فالكلمات بصوت سلمان زيمان تتحول إلى أفعال يتمنى من يستمع إليها أن يحققها على المستويين الإنساني والمجتمعي، وهذا يدل على وعي سلمان للموسيقى والصورة التي تعبر عنها والكم الهائل من ملامسة أغانية للمواطن العربي بشكل عام، ولذلك تراه واضحاً في أغنية «هل كان حباً» من كلمات الشاعر صلاح عبدالصبور، كذلك الإيقاع الأفريقي والعربي في كل أغانيه يشكل بعداً آخر لوحده، حيث إنك من الممكن أن تسير فقط مع الإيقاع وصوت سلمان دون الموسيقى، وتستمع به وكأن فرقة سيمفونية تؤدي الأغنية.
أما فيما يتعلق بالأبعاد الإبداعية، فإنها بحسب الذوادي كثيرة لدى سلمان زيمان نفسه عندما يتصدى لأي عمل، فهو لا يغفل عن البعد النفسي الذي ستتركه أغنيته على المستمع، مثل: «يابو الفعايل»، و«أم الجدائل»، و«هيفاء»، والبعد الوطني العربي الذي سيطر على الكثير من أغانيه، وخصوصاً أغاني فلسطين والأبريتات التي تتناول القضايا العربية.
ويعتقد الذوادي أن سلمان زيمان كانت الصورة من خلال الكلمة واللحن والصوت مهمة بالنسبة له، «أحسست بأنه وهو يغني كان لما يغمض عينيه يرى صوراً لما يقوله، وتشعر ذلك من انفعالاته، وهو يؤدي على المسرح، أو يسجل في الاستوديو، وأعتقد بأنه بث هذا في روح إخوته أعضاء فرقة أجراس وبالذات الفنان والمايسترو خليفة زيمان، الذي تأثر بشكل كبير بإبداع أخيه سلمان زيمان، فأصبحت الجملة اللحنية لدى خليفة زيمان صورة تحوي كل الأبعاد قبل أن تكون مجرد لحن، كانت الصورة شيئاً أساسياً في حياة سلمان، وخصوصاً أنه محب للكاميرا وموثق جيد للحياة الثقافية بكاميرته التي لم أرها تفارقه في معظم المحافل الثقافية».
وفيما يتعلق بتعميق سلمان زيمان للعلاقة البديعة والرفيعة بين الإنسان والمكان، يرى الذوادي أن الفنان الراحل سلمان أحب المحرق التي عاش وترعرع بها، ولكنه قدم الموروث بشكل عام لكل البحرين، وتخطى ذلك ليصل للدول العربية، لأنه كان يعي أهمية العمل الفني في تثبيت وحدتي الزمان والمكان، لذلك انطلق لما هو أبعد من المكان، ولكن لما ندقق نجده أنه كان يغوص في أعماق المكان بشكل أشمل وأوسع، وكأنه يغني لكل الأمكنة، هذا سحر سلمان زيمان، وهذا الذي تكون بداخله منذ كان في بداية طريقه، مقرراً أن يكون الإنسان الفنان الواعي والمثقف المختلف في كل شيء، وحقق ذلك بجدارة ينحني لها الفن.

أغنية وعي 
الناقد والكاتب د. فهد حسين، يتوقف عند الأبعاد المهمة في مسيرة سلمان زيمان الموسيقية، قائلاً: لم يقبل هو وفرقة «أجراس»، أن يغنوا في حفلات عادية خاصة أو أعراس، واهتم بالمناسبات ذات البعد الوطني، والحفلات المرتبطة بالمعنى الفعلي لما يقدمه على مستوى عمق الأغنية، تمثلت في اختياراته للقصائد وارتباطه بشعراء كبار، وهو بذلك يقدم أغنية وعي، وليست أغنية طربية فقط، والتي ستبقى ثابتة وتستمر، وأهدت الراحل احتراماً كبيراً في داخل مملكة البحرين وخارجها، فقد شهدنا تواصلاً من مختلف البلدان العربية، يقدمون تعازيهم، حتى أولئك الذين لا يعرفونه بشكل شخصي، باعثين لأهل البحرين برسائل محبة وإجلال وتقدير لسلمان زيمان، وما قدمه للموسيقى والإنسان العربي.
ولفت الناقد والكاتب د. فهد حسين، أن ما يعطي لفن سلمان زيمان أحقية الاستمرار، كذلك هو خصائصه الجمالية، فهي موسيقى تحمل روح القص في داخلها، تلك الشبيه بأغاني فيروز، التي تسرد القصة القصيرة، تجد أن لها بداية ونهاية، وتغنى بشكل يهديك العلاقة الدرامية بين النص وتأديته وتأليفه موسيقياً، إضافة إلى المقدرة البديعة لسلمان زيمان في تقديم الجملة اللحنية، التي تبقى مع المستمع، ولا يحتاج أحياناً إلى كلمات لإدراكها، فهو الذي في رأيي استطاع أن يجعل آلة القيثارة تتكلم، وهنا إبداع الفنان الفعلي. 

الإيقاع العدني 
السينارست والمنتج السينمائي والروائي البحريني فريد رمضان، تأمل تأثر الفنان الراحل سليمان زيمان بالأغنية العربية التي بدأت تتشكل في الثمانينيات، من خلال مفهوم «الفرق الموسيقية»، وكيف أنه في البحرين تم استنساخ الكثير من فكرة الفرق الأوروبية، مشكلة موجة كبيرة من العازفين والمغنين والملحنين، الذين أخذوا من التجربة الغربية ألحانها، ومثل سلمان زيمان إحدى تلك النتاجات، ولكن بنمط مختلف من خلال استخدامه الإيقاع العدني اليمني، وذلك قبل تأسيس فرقة «أجراس»، التي تضمنت دارسين ومختصين في علوم الموسيقى، حتى بعد خروجه من فرقة «أجراس»، فهناك لدى سلمان زيمان صف ثان من الإخوة والأخوات من درسوا الفن والموسيقى والمسرح، من مثل أخيه الأكبر خليفة زيمان، ولا يمكن إغفال «المحرق» كمدينة منفتحة وغنية بالفن الأفريقي والفن الفارسي والعرضة وغيرها، مشكلة أمزجة متنوعة، بالتأكيد ألقت بظلالها وتأثيرها على المخزون الموسيقي لدى سلمان زيمان.
ما يجعلنا نرى القيمة الفنية والجمالية المنبثقة من تجربة سلمان زيمان، بحسب رمضان هو المحيط الفني والموسيقي والاجتماعي والسياسي الكبير، الذي شكل بالتأكيد قوة الحضور النخبوي لأغاني وموسيقى سلمان وفرقته، من شكلوا في ذاك الوقت وعياً طلابياً تحررياً، يدعو لمساندة ودعم القضية الفلسطينية، والحرب اللبنانية، وغيرها من القضايا العربية الشمولية، إلى جانب قضايا البحرين ببعدها الداخلي، وهي التي أدت إلى تجربة البحث عن قصائد شعرية حديثة، لأهم الشعراء في الوطن العربي، من مثل أحمد دحبور ومحمود درويش، يوازيه حضور شعراء البحرين أنفسهم من مثل علي عبدالله خليفة، وعلي الشرقاوي مشكلين مورد مهم في تقديم أغنية تتناول قضايا وطنية.
الفنان الراحل سلمان زيمان، ومسألة تحوله من الأغنية اليمنية، وإمكانية أن يلقي ذلك على اختياراته على مستوى النص الغنائي والجملة اللحنية، أوضح حولها رمضان بأنه لم يتم هناك تحول كامل، حتى آخر أغنيات فرقة «أجراس»، وهي «يابو الفعايل يا ولد»، ظل التأثير العدني حاضراً، وتابع رؤيته حول حضور سلمان زيمان بقوله: «أهم ما يميز سلمان شخصيته الاجتماعية، فهو يمتلك حضوراً إنسانياً في الوسط الثقافي، ويمكن ملاحظة ذلك في تفاعله داخل فرقة أجراس، بحس ديمقراطي عال، وحرية في اختيار الألحان والكلمات بين أعضاء الفرقة، قد تجد أحياناً في ألبوم واحد للفرقة هناك أغنية واحدة لسلمان، والأخرى لأعضاء الفرقة، ومن المهم التنبه للبعد الثقافي، فهو مرتكز للأبعاد الأخرى، التي يشكل من خلالها الفنان المثقف موقفه السياسي وطبيعة والاصطفافات اتجاه قضية معينة».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©