الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

شفق الديمقراطية.. صراع ضد الدكتاتورية

شفق الديمقراطية.. صراع ضد الدكتاتورية
5 سبتمبر 2020 00:19

شيري بيرمان*

في 31 ديسمبر 1999، أقامت «آن آبلباوم» وزوجها حفلاً بمناسبة رأس السنة في ريف بولندا. وكان من بين الحضور صحفيون دوليون، ودبلوماسيون في وارسو، وأصدقاء من نيويورك، لكن معظم رواد الحفل كانوا أصدقاء بولنديين، وبعض زملاء زوجها الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب نائب وزير الخارجية في الحكومة البولندية التي تتبع يمين الوسط.  وانضم صحفيون بولنديون وموظفون مدنيون واثنان من صغار أعضاء الحكومة إلى الحفل. تقول «آن آبلباوم» في كتابها الجديد «شفق الديمقراطية.. السحر المغري للاستبداد»، إن «أغلبيتنا تقريباً كانوا في الفئة العامة لما يسميه البولنديون اليمين المحافظ والمناهض للشيوعية. لكن في تلك اللحظة من التاريخ، كان بإمكاننا وصف معظمنا بالليبراليين. ليبراليو السوق الحر، والليبراليون الكلاسيكيون والتاتشريون الذين كانوا يؤمنون بالديمقراطية وسيادة القانون، وبالضوابط والتوازنات.. في التسعينيات، كان هذا ما يعنيه أن تتبع اليمين». وتضيف آبلباوم: «استمر الحفل طوال الليل، وكان مفعماً بالتفاؤل».
 لكن بعد مرور عقدين من الزمان، أصبح هذا الاحتفال يعكس التحول في أحداث التاريخ، حيث سقطت المجتمعات الشرقية والغربية مرة أخرى فريسة لإغراء السلطوية، كما يشير عنوان كتاب آبلباوم. ومنذ ذلك الحين، انضم العديد من ضيوفها إلى الغوغائيين (الدهماء)، ولم يعودوا يتحدثون مع أولئك الذين ظلوا ديمقراطيين. تقول آبلباوم: «الآن أعبر الطريق، كي أتجنب بعض الأشخاص الذين كانوا في الحفل. وهم، بدورهم، لن يرفضوا فقط دخول منزلي، لكنهم سيشعرون بالإحراج من مجرد الاعتراف بأنهم دخلوه ذات مرة». فما الذي دفعهم إلى تلك القرارات؟
في كتابها «شفق الديمقراطية»، تبحث آبلباوم الصراع ضد الدكتاتورية، والتي بدا أنها فقدت مصداقيتها كثيراً في بولندا في نهاية الحرب الباردة. وتبرز المؤلفة بخبرتها ومعرفتها التاريخية حول كل من أوروبا المعاصرة والولايات المتحدة، ما هو أبدي ومميز حول المخاطر السياسية التي تواجهنا اليوم. وتدرك آبلباوم أن التاريخ يتحرك في دورات، ويعرض أنماطاً واتجاهات معينة، لكنها ترى أن الناس أمامهم خيارات. وتستكشف لماذا يتخذ أفراد مهمون، خاصة المفكرين، قرارات تقوض الديمقراطية.

وتكتب آبلباوم: «الكتّاب.. كتّاب المنشورات، والمدونون، والأطباء، والمستشارون السياسيون، ومنتجو البرامج التلفزيونية، ومبدعو الميمات، مهمون لنجاح الغوغائيين لأنهم يبيعون صورتهم للجمهور. أما الشعبويون، فيحتاجون إلى أشخاص يمكنهم استخدام لغة قانونية متطورة، والأشخاص الذين يمكنهم الجدل بأن انتهاك الدستور أو الالتفاف على القانون هو الشيء الصواب الذي يجب القيام به. إنهم يحتاجون إلى الأشخاص الذين يؤيدون المظالم، ويتلاعبون بالسخط، وينقلون الخوف والغضب، ويتخيلون مستقبلاً مختلفاً».  وتتذكر آبلباوم عمل الكاتب الفرنسي «جوليان بيندا»، الذي وصف في عام 1927 أهمية النخب الفكرية في صعود السلطويين اليمينيين واليساريين. وانتقد بيندا الأيديولوجيين الذين ساعدوا الماركسية السوفييتية على اليسار، وأولئك الذين قدموا خدماتهم للأنظمة الفاشية على اليمين.. واتهمهم جميعاً بخيانة المهمة الأساسية للمثقفين، وهي البحث عن الحقيقة، لصالح أسباب سياسية معينة، بحسب ما كتبت آبلباوم، والتي تقول إن الدافع في بعض الحالات هو مجرد الحصول على مكاسب شخصية. ففي أوروبا الشرقية، على سبيل المثال، تظهر الكاتبة أن المثقفين غالباً ما كانوا يتعاونون مع الغوغائيين مقابل الحصول على المكانة الاجتماعية وعلى مكافآت مادية. وفي بولندا، بحسب ما تقول، حصل مدير التليفزيون الرسمي على منصبه في مقابل تأييد «ياروسلاف كاتشينسكي»، زعيم «حزب القانون والعدالة» الشعبوي اليميني الحاكم. وإلى جانب المكاسب الشخصية، تلاحظ آبلباوم أن «اليأس الثقافي» دفع بعض المثقفين إلى أحضان الغوغائيين. وهي تستند إلى كتاب المؤرخ الأميركي الألماني «فريتز ستيرن» الذي جادل في كتابه «سياسة اليأس الثقافي: دراسة في صعود الأيديولوجية الجرمانية»، بأن القلق بشأن الانحلال الروحي والوطني لألمانيا كان قوة أساسية في صعود النازية. وتشير إلى أنه في أواخر القرن الـ19، وصف المؤرخ الألماني «يوليوس لانجبين» الاتجاه الديمقراطي بأنه سبب لتبديد الثقافة الألمانية. وبالمثل، يعتقد المثقفون اليمينيون في الولايات المتحدة، اليوم، أن الديمقراطيين والنخب الليبرالية يمثلون تهديداً وجودياً للهوية القومية الأميركية والقيم المسيحية. وفي بريطانيا، تجد آبلباوم أن الاتحاد الأوروبي «أصبح نوعاً من التثبيت للمحافظين الذين يحنون إلى الماضي»، وأصبح مفهوم أوروبا «تجسيداً لكل خطأ».   وفي إسبانيا، أصر مفكرو حزب «فوكس» اليميني على أن الحضارة المسيحية تواجه تهديداً يلوح في الأفق من «عدو إسلامي». وتوضح آبلباوم كيف دفعت هذه المخاوف المثقفين إلى القول بأن أي وسيلة، حتى ولو كانت مهاجمة القضاء والصحافة والانخراط في المحسوبية والفساد وقبول الأموال الأجنبية.. أصحبت تبرر «تَجنُّب الكارثة».  وهناك سبب ثالث يجعل بعض المفكرين يتفقون مع السلطوية، وهو أن الكثير منهم لم يكونوا ديمقراطيين على الإطلاق. فخلال الحرب الباردة، ما كان يوحّد المفكرين في اليمين، مثل ضيوف حفل آبلباوم، ربما لم يكن حبهم للديمقراطية، وإنما بالأحرى كرههم للشيوعية. لذا، عندما انهارت الشيوعية، انهارت العلاقات التي تربطهم ببعضهم بعضاً. وتكره آبلباوم، والمفكرون الذين لا تزال تشعر بصلة قرابة معهم، الشيوعيةَ لأنها كانت معادية للديمقراطية وللرأسمالية، لكن آخرين على اليمين، كانوا يكرهون الشيوعية في المقام الأول لأنها سحقت الهويات الوطنية والدين المنظِّم للتسلسل الهرمي التقليدي. وعندما بات من الواضح أن الديمقراطية الليبرالية هدت هذه الأشياء أيضاً، أدار أصدقاء آبلباوم السابقون ظهورهم لها، كما فعلوا مع الشيوعية قبل عقود.
 ويقدم كتاب «شفق الديمقراطية» دروساً عديدة حول الصراع من أجل الديمقراطية، ولكن الأهم - ربما - هو بيانه مدى هشاشة الديمقراطية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©