الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

عندما ينسيك الخوف اسمك

عندما ينسيك الخوف اسمك
8 سبتمبر 2020 01:32

هذه القصة، أحب دائماً روايتها في مجالس السفر، عندما أشرح فيها حب البعض وخوفهم في الوقت نفسه من الطائرة، هذه الوسيلة الجميلة ذات المحركات الضخمة والهدير المهيب، النسر العملاق.. كم أحب الطائرات، صغر حجمها أو كبر.
نرجع لقصتنا التي تدور أحداثها في الطائرة، كنت أنا وأصدقائي في طريق عودتنا من إحدى الرحلات، نتجاذب أطراف الحديث رغبة في قتل الوقت، حيث لم يكن في تلك الأيام في عام 1994 متاحاً اختيار الأفلام وتقليب القنوات على متن الطائرات، كان هناك شاشة واحدة معلقة فوق رأس المسافرين، بشاشة غير واضحة، مع أفلام قديمة، ناهيك عن الترجمة التي نحتاج إلى (منظار مقرب) لالتقاط الكلمات بعيوننا المتعبة، ببساطة شاشة تقول (الأفضل أن تنام).
في هذه الرحلة صادفتنا مطبات هوائية أستطيع أن أقول عنها بأنها غير مسبوقة – وأنا شخص أسافر كثيراً –لدرجة أنني ارتفعت من مقعدي وكاد رأسي أن يصطدم بسقف الطائرة، تكررت الهزات والمطبات بشكل غريب ومتتابع، ومما زاد فزعنا تحذير قائد الطائرة بصوت مرتجف بضرورة ربط الأحزمة، ونظرات الخوف على وجه طاقم الضيافة، كانت لحظات محمومة، امتزجت بصراخ المسافرين، استمر الموقف أكثر مما كنا نتوقع، وكانت الطائرة تنزل لمستويات عليا (كيف مستويات عليا، لا أعرف ولكن لا تلوموني فالموقف صعب). 
ألتفت مخاطباً زملائي: يا جماعة، اربطوا الحزام، اذكروا الله، استغفروا يمكن أحد منكم (مسود ويهه) في الرحلة، رد علي صديقي الذي كان جالساً على يميني (أو يساري لا أتذكر بالضبط): بو يوسف، شو نقرأ شو نقول؟ رددت عليه: اذكر الله واستغفر، اشغل نفسك بالقرآن، أي شيء...... لحظة صمت وخوف ورجاء، سمعت صديقي يسألني مرة ثانية: بو يوسف، شو أٌقرأ الخوف مسيطر على عقلي، ما قادر أتذكر شيء،،، ساعدني. 
رددت عليه بشيء من العصبية: أكيد الخوف بيخلينا ما نتذكر شيئاً، بس أقول لك، اقرأ الفاتحة، الفاتحة بس، اقرأها في سرك، وبترتاح. 
ورجعت للتشبث بمقعدي بكل قوة محاولاً تطمين قلبي بذكر الله، واعدا نفسي بعدم ركوب أي طائرة بعد اجتياز هذه المحنة -وهو وعد أخلفته كثيراً - وفجأة أحسست بيد صديقي (الخائف) على ركبتي يقول لي بصوت عالي وبهستريا: بو يوسف، شو بداية الفاتحة؟ ما قادر أتذكر بداية الفاتحة. 
هنا تلاشى من محدثكم كل الخوف الذي تحول إلى قهقهات عالية جذبت أنظار الركاب وازدادت حدقاتهم اتساعاً وهم ينظرون لي مشفقين لتأكدهم من أن هذا الموقف قد (لحس) عقلي كما يقال. كان موقف لا ينسى فلم أتصور يوماً أي ينسينا الخوف حتى بداية الفاتحة، وأظن بأنني لو سألت صديقي عن اسمه في ذلك الوقت لفكر كثيراً قبل الإجابة. وما زلت أقول لصديقي ممازحاً عند لقياه؟ ما هي بداية الفاتحة؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©