عدد اليوم
هناك أشخاص يتمتعون بقدرة أكبر على ممارسة مهام مختلفة في الوقت نفسه.. ويقال إن النساء أكثر تميزاً من الرجال في هذه النقطة بشكل فطري.. ومن المعتقد أن في إمكاننا اكتساب هذه المهارة بالتدريب.. فما حقيقة كل ذلك؟
للتعرف على ما تقوله الدراسات العلمية في هذا الصدد، تحدثنا مع الباحث ماهيكو كونيشيMahiko Konishi من مختبر العلوم المعرفية واللغويات النفسية في جامعة باريس، والذي أجرى دراسات عديدة حول هذا الموضوع، وكان هذا الحوار.
* هل هناك دليل على وجود اختلاف بين الجنسين في تعدد المهام؟
** رغم ندرة الأبحاث العلمية في هذا الجانب، إلا أن هناك دراسات تشير بشكل ما إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الجنسين في القدرة على تعدد المهام، فمثلاً، في تجربة طلبوا من المشاركين ممارسة نشاط يحاكي التحدث في الهاتف أثناء القيادة فلم يجدوا أي فرق بين الرجل والمرأة، بل إن تجربة أخرى وجدت أن الرجال كانوا أكثر قدرة على تعدد المهام عند ممارسة مهام تشبه ألعاب الفيديو، نظراً لأن لهم خبرة في ممارستها أكثر من النساء، وليس بسبب فروق عقلية فطرية بين الجنسين.
وبشكل عام، لا يوجد سبب نظري مسبق قوي يدعونا لتوقع الفروق بين الجنسين في تعدد المهام، ففي دراسة حديثة شملت 6000 مشارك، لم يجد الباحثون فروقاً ثابتة بين الجنسين في الوظائف العقلية اللازمة لممارسة تعدد المهام.
* ما الذي يفسر تفوق البعض في تعدد المهام إذن؟
** من الأمور التي تفسر ذلك هي الخبرة وكثرة الممارسة.. فمثلاً، عندما نتعلم قيادة السيارة لأول مرة، يكون الأمر صعباً ويحتاج لتعدد المهام.. فأنت تحتاج إلى التحكم في عجلة القيادة بيديك، والدواسات بقدميك، وتحتاج إلى تحويل انتباهك باستمرار من النظر أمامك، إلى الجانبين، واتجاه مؤخرة السيارة من خلال النظر إلى مرآة الرؤية الخلفية الخاصة بك... إلخ. فقيادة السيارة نوع من تعدد المهام، ولذلك قد تكون مرهقة جداً في البداية.. ولكن على الرغم من ذلك، من خلال الممارسة، يتعلم الدماغ استيعاب هذه العمليات الواعية وتحويلها إلى ما يسمى بالذاكرة الإجرائية.. وبعد بضعة أشهر من ممارسة القيادة، لا يتعين علينا التركيز في كل هذه المهام الفرعية الصغيرة التي نقوم بها أثناء القيادة، ولكن أجسامنا تعتاد عليها وتمارسها بشكل تلقائي.
* هل لممارسة تعدد المهام طوال الوقت آثار جانبية؟
** ما نعرفه هو أنه في معظم الحالات، وبالنسبة لمعظم الأشخاص، يؤدي تعدد المهام إلى انخفاض الأداء في هذه المهام. وفي بعض الأحيان نكون مضطرين لفعل هذا، ولكن يجب أن ندرك التكاليف المحتملة المترتبة عليه.
* ما هي نصائحك لممارسة تعدد المهام بشكل أفضل؟
** إحدى النصائح لتحسين الأداء عند ممارسة عدة مهام في الوقت نفسه، هي ببساطة: ممارستها أكثر فأكثر لاعتيادها وليصبح الأداء أكثر تلقائية، وبالإضافة لذلك، هناك نصيحة أخرى هي اختيار المهام التي تختلف كثيراً عن بعضها بعضاً في العمليات الدماغية! وعلى سبيل المثال، من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، التحدث إلى شخص ما أثناء قراءة كتاب وفهمه في الوقت نفسه. هذا لأن هاتين المهمتين تتطلبان التعامل مع اللغة. ومع ذلك، فمن الممكن أن تكون مهرولاً أو تغسل الصحون أثناء التحدث مع شخص ما، لأننا نستخدم عمليات مختلفة تماماً تقريباً «المهارات الحركية للجسم واللغة، على التوالي».
(انتهى كلام الباحث)
كلمة أخيرة
رغم ما يبدو من قدرة بعض الناس على ممارسة عدة مهام متزامنة، إلا أن الأدلة العلمية ترجع السبب لاعتيادهم على ممارسة هذه المهام باستمرار، ومن ثم أصبحوا أكثر تميزاً في أدائها بهذا القدر من التناغم.. وهي مهارة يمكننا جميعاً تنميتها وتطويرها بقدر ما، كما سمعنا منذ قليل!
