الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: إعادة تدوير السعادة

د. شريف عرفة يكتب: إعادة تدوير السعادة
19 يونيو 2021 01:49

تدعو بعض الفلسفات لاعتبار الحياة كئيبة وعبثية من دون غاية، تملؤها المعاناة ويسودها الألم..
مشكلة هذا التصور التشاؤمي للحياة، ليس في كونه مغلوطاً، بل لأنه حقيقي أكثر من اللازم! كل شيء مآله الزوال وكل ما تحب ستفارقه أو يفارقك.. تعلم هذا أو ستدركه بالتدريج.. قوانين الفيزياء ذاتها تقول: إن كل منظومة مآلها العشوائية والتفكك.. لكن السؤال الأهم هنا: هل التركيز على هذه المعاني طوال الوقت مفيد لصحتك النفسية؟
إدراك الجانب المظلم في الحياة لا ينبغي أن يكون النهاية للرحلة الفكرية، بل نقطة انطلاقها.. في عالم يمتزج فيه الإيجابي بالسلبي، والأمان بالشك، والتملك بالفقد.. ماذا يمكننا أن نفعل كي تكون صحتنا النفسية أفضل؟
هناك من يغالون في فرض مفاهيم الإيجابية والسعادة، إلى درجة السخف.. إلى حد تجاهل السلبيات تماماً.. وهذا بالطبع غير مفيد، لأن وجود سلبيات الحياة ليس فقط أمراً طبيعياً، بل مطلوب لسعادتك وصحتك النفسية.
دعني أقول لك كيف.. كلنا نعرف أن تذكر الأحداث الإيجابية بمثابة إعادة تدوير للسعادة التي نجمت عن هذه الذكرى الجميلة.. تذكر موقفاً يمثل لحظة نجاحك الأكبر أو ذروة مشاعر الحب، سيعيد بعث ذات المشاعر بداخلك.. رغم هذا التأثير القوي للذكريات الإيجابية، والذي وثقته كثير من الدراسات، لكن هذا لا يعني تجاهل الذكريات السلبية تماماً.
دعنا نتحدث مثلاً عن الذكريات السلبية.. تذكر معي موقفاً حدث لك في الماضي، كنت فيه أقل مما أنت عليه الآن.. كنت أقل مالاً، أو تعاني من أزمة، أو تتمنى حدوث شيء بسيط لا تعيره اهتماماً الآن.. استحضار هذه الذكرى السلبية سيجعلك الآن أكثر سعادة.. لأنك ستدرك ما تنعم فيه اليوم من دون أن تلاحظه!
يحكي لي صديق أنه كان يمر بضائقة مادية وذهب للتسوق فلم يجد معه ما يكفي من المال.. شعر بغصة، وقرر أن تظل هذه الذكرى في داخله، كي يسترجعها حين تتحسن أحواله.. قال لي إنه يشعر بالسعادة يومياً، لمجرد أنه لم يسقط هذه الذكرى السلبية من حساباته.
أنا أيضاً أحب هذه اللعبة الذهنية جداً.. أجريتُ منذ سنوات جراحة في الركبة، جعلتني غير قادر على الحركة أو النوم على جانبي من دون ألم.. أتمسك بهذه الذكرى وأستدعيها دائماً، كي أستمتع بالأشياء الصغيرة حين أدرك أنها ليست كذلك!
هناك مشاكل كانت تؤرقك لأسباب لم يعد لها وجود الآن.. هناك مرض ألم بك لكنك شفيت منه.. أنت أفضل حالاً من أوقات مضت، فلا تنس هذا من فضلك.. هذه الذكريات تعطيك مؤشراً لمدى تقدمك في مسيرة الحياة.. هي نظرة للخلف ترى فيها كم الصعاب التي اجتزتها كي تصل لما أنت فيه الآن.. من دون هذه الالتفاتة لن تدرك قيمة المكان الذي وصلت إليه.
أي ذكرى سلبية مكّنها أن تكون مصدر سعادة..
ألا يكفي أنها قد انتهت؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©