السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

الاقتصاد الأميركي.. تاريخ مشوق

الاقتصاد الأميركي.. تاريخ مشوق
19 يونيو 2021 02:49

ستيفن بيرلستين* 

يقدم جوناثان ليفي، الأستاذ بجامعة شيكاجو، تاريخاً للولايات المتحدة الأميركية يتمحور حول الاقتصاد، وذلك في كتابه الصادر حديثاً بعنوان «عصور الرأسمالية الأميركية: تاريخ للولايات المتحدة». وينسج ليفي ببراعة، تاريخ الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة في قصة مشوقة وسلسة، عن كيفية تحول الولايات المتحدة إلى أنجح اقتصاديات العالم وأسباب هذا التحول. 
كتاب ليفي الذي أجاد في بحثه وكتابته وجعله مشوِّقاً للغاية، يجب أن يكون من القراءات الأساسية لكل طالب جامعي متخصص في الاقتصاد والتاريخ. 
يرى ليفي، في سرده للقصة، أن كل «عصر» في الرأسمالية الأميركية يمثل مسعى جديداً لإعادة تشكيل العلاقة بين الحكومة والأسواق في استجابة للاضطرابات الكبيرة للنظام الاقتصادي القديم. وفي قسم بعنوان «عصر التجارة»، يرسم ليفي صورة لاقتصاد المستعمرات الذي عزز الثروة بفضل «منطقة تجارة المستعمرات الشاسعة». ومع قيام الثورة الأميركية، كان الأميركي المتوسط أغنى من نظيره البريطاني، حيث كانت الأراضي والدخل والسلطة السياسية موزعة بمساواة أكبر. لكن الاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية تسبب في انخفاض بنسبة 20% في مستوى المعيشة في الولايات المتحدة. وظهرت ضرورة إحلال نظام اقتصادي جديد محلي مكان الاقتصاد القديم. 
وتوسع «النظام الأميركي» باستمرار نحو الغرب في أراضي الهنود الحمر التي عمل فيها عدد متزايد من العبيد والمهاجرين الأوروبيين. واقتضت الحاجة تطوير مصانع تعمل بالماء والبخار في مدن الشمال الشرقي الرئيسة، إلى جانب الطرق والقنوات وخطوط السكك الحديدية لنقل البضائع إلى الأسواق. وتطلب الأمر أيضاً ظهور نظام جديد من الائتمان قام على أساس بنك وطني معتَمد من الحكومة ودين حكومي. 
ثم جاءت الحرب الأهلية الأميركية، فلم يتعزز نطاق الحكومة الاتحادية فحسب، بل ظهرت القدرة على تحقيق النمو التصاعدي عن طريق الإقراض والإنفاق، حَرفياً من خلال إنتاج النقود من لا شيء في صورة تمويل خاص أو بطباعة أوراق النقد، في حالة الحكومة. وكتب ليفي يقول: إن «رأس المال» غيَّر فجأةً كل شيء ومس حياة الجميع وأقام دورة تعزز الاستثمار ذاتياً. وبفضل ابتكار الآلات الجديدة، تضاعفت إنتاجية المزارع ثلاثة أضعاف تقريباً على مدار السنوات العشرين التالية. وهذا الثراء لم يعزز دخول المزارعين الأميركيين فحسب، بل خفض أسعار المنتجات الزراعية حول العالم، مما أجبر ملايين الفلاحين الأوروبيين على الهجرة إلى الولايات المتحدة. ووفَّر هؤلاء المهاجرون عمالةً رخيصةً ساهمت في الازدهار الصناعي الذي بدأ بالسلع الوسيطة، مثل الحديد والصلب، ثم أفسح المجال سريعاً لإنتاج سلع استهلاكية بكميات كبيرة لطبقة متوسطة متنامية.

  • كتاب: عصور الرأسمالية الأميركية: تاريخ للولايات المتحدة
    كتاب: عصور الرأسمالية الأميركية: تاريخ للولايات المتحدة

ويؤكد ليفي أن من العناصر الرئيسة في «عصر رأس المال» هو أن قيمة الآلة أو الشركة لم تعد تقاس بمقدار الكلفة أو مقدار الاستثمار، لكن بالأرباح التي تستطيع تحقيقها في المستقبل. وفتح «عصر رأس المال» الباب أمام فترة مشهودة من التنمية الاقتصادية، ودشن دورة متكررة من الائتمان التي جاءت معها بالاحتكار وعدم مساواة أكبر وسلسلة مؤلمة من الركود الاقتصادي قصير الأمد، كما حدث في أعوام 1873 و1893 و1907 ثم الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وفي أعقاب الكساد، أصبح منع حدوث تعاسة طويلة الأمد وواسعة الانتشار من وساوس صانعي القرار السياسي ومديري الاقتصاد. ووُضعت قواعد الهياكل المؤسسية لـ«عصر التحكم» مع «الصفقة الجديدة» في الثلاثينيات، ثم ارتفع بناء قواعدها أثناء الحرب العالمية الثانية. لقد سيطرت الحكومة فعلياً على القطاع الصناعي، وموَّلت توسعاً غير مسبوق للقدرة الصناعية، وحددت الأسعار والأجور والإنتاج، وقررت حصص المواد الخام والسلع الاستهلاكية. وبعد انتهاء الحرب، أصبحت الحكومة تعتبر من مهامها أن توفر التعليم والوظائف للجنود العائدين من الحرب، وأيضاً توفر لهم مساكن مزودة بكل كماليات الحياة الحديثة التي جرى الإعلان عنها بمهارة في التلفزيون، الوسيلة الإعلامية الجديدة حينذاك، والتي تباع في مراكز تسوق جديدة وبراقة. 

رخاء ما بعد الحرب
بحلول السبعينيات، انهارت آلة رخاء ما بعد الحرب، فقد أدت كثرة القيود التنظيمية إلى فتور حيوية صناعات محورية، بينما بدأت المنافسة العالمية تقلص قيمة الدولار وهيمنة النشاط الاقتصاد الأميركي، وتقلص الأرباح والاستثمارات وترفع الأسعار. ودفع الركود المصحوب بتضخم الاحتياط الاتحادي إلى زيادة أسعار الفائدة بما يقرب من 20% لترويض التضخم أخيراً، وهو ما أدى أيضاً إلى موجة من تخفيف القيود التنظيمية على الأنشطة الاقتصادية.  وربما استعادت إعادة الهيكلة والنشاط المالي تنافسية الاقتصاد الأميركي وحققت عائدات كبيرة للمستثمرين، لكنها ربما جاءت على حساب الاستثمار طويل الأمد في القدرة الإنتاجية للبلاد، وأدت إلى ركود أجور العمال الأميركيين. كما إنها قد تعيد دورة الازدهار والركود بعد تزايد المضاربة في الأسواق، مع حصول الأنشطة الاقتصادية والأفراد والحكومات على كميات تتزايد من الديون منخفضة الكلفة.

عصر الفوضى
مشكلة «الرأسمالية ذات التقييم المدعوم للأصول» كما يصفها ليفي بدقة، أنها تتطلب عمليات إنقاذ متكررة يتزايد حجمها دوماً للبنك والأسواق المالية من وزارة الخزانة والاحتياط الاتحادي، لمنع انصهار مالي وانهيار اقتصادي. وفي «عصر الفوضى» أصبح الاقتصاد واقعاً دوماً في أسر عجز حكومي هائل وقروض من الحكومات الأجنبية التجارية، وطباعة لا تنتهي لأوراق النقد من الاحتياط الاتحادي، بغرض طمأنة المستثمرين أن الأسهم والسندات والعقارات تساوي ما دفعوه مقابلها.

.......................................................
*أستاذ الشؤون العامة في جامعة جورج ميسون نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©