الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«هي قالت».. عندما تصطاد الصحافة الفاسدين

«هي قالت».. عندما تصطاد الصحافة الفاسدين
26 نوفمبر 2022 01:12

أبوظبي (الاتحاد)

عن قوة الصحافة وجبروت أصحاب النفوذ وتسلطهم وسعيهم الدائم للإفلات بجرائمهم وضعف الضحايا واستكانتهم، يأتي «هي قالت» ليصرخ بقوة في وجه العالم حتى يتنبه ويستيقظ، لعل وعسى لا يسمح مرة أخرى بمثل تلك الجرائم.
الفيلم الجديد الذي بدأ عرضه أمس الأول في الإمارات يحكي كيف استطاعت صحفيتين بارزتين في «نيويورك تايمز» فضح ممارسات إمبرطور هوليوود، المنتج السينمائي هارفي واينستين، الذي عاث فسادا طوال سنوات في عاصمة السينما العالمية وارتكب العديد من جرائم الاغتصاب والتحرش، دون أن يجرؤ أحد على ملاحقته أو كشف أحد أمره.سقط واينستين بالضربة القاضية بفضل سلسلة تحقيقات نشرتها من عام 2017 الصحفيتان ميغان توهي وجودي كانتور، ونالتا عنها جائزة بوليتزر بجدارة .. وكلاهما لها باع طويل في مطاردة جرائم التحرش والإساءة للنساء في المؤسسات والشركات. 
يجسد الفيلم الوقائع المثيرة التي سجلتها توهي وكانتور في الكتاب الذي أصدراه بالاسم نفسه عام 2019. 

في الكتاب والفيلم (والواقع طبعاً)، كانت النساء هن النجوم اللامعة، كن الضحايا بجدارة .. والأبطال بلا منازع. 
يمثل الفيلم نقطة التقاء جديدة بين الصحافة والسينما في علاقة القرابة المستمرة منذ سنوات بعيدة بين الميديا والفن السابع. فالإعلام بأبطاله وقصصه ونضالاته ظل دوماً أرضاً خصبة وملهمة لصناع السينما.
لكن البعض يعتقد أن «هي قالت» هو أفضلهم.. ربما لأن قصته الحقيقية تمثل تطورا جديداً، حيث تبدو كما لو كانت شاهداً على العصر، يصنع التاريخ بكتابة نهايات جديدة له.. نهايات مغايرة لم يكن يتمناها أصحاب النفوذ والسلطة. أول تقرير نشرته الصحيفة عن واينستين كان من 3300 كلمة، أثار ردود أفعال قوية من نساء تعرضن لانتهاكات وإساءات جنسية في عموم المجتمع الأميركي. أشعلت سلسلة التحقيقات نار موجة #MeToo مع تدفق مد هائل من الشهادات النسوية ضد عشرات، بل المئات من الرجال المتحرشين. تحول الأمر إلى ما يشبه ثورة نسائية..«فالقصة أكبر من وينستين.. الأمر يتعلق بالمنظومة التي تحمي المتحرشين»، كما قالت جودي كانتور لزميلتها في إحدى مشاهد الفيلم.
يكشف الكتاب والفيلم خللا خطيرا في منظومة الديمقراطية الأميركية وبيئة العمل في العصر الحديث. فالضحايا التزمن الصمت سنوات طويلة. سقطن في هوة المعاناة بلا رحمة، ولم يكن ثمة طريق للنجاة، تحملن تحرشات وإساءات وانتهاكات جسدية ونفسية مروعة من رجال نافذين ذوي سلطة وهيمنة في صناعة تحت الأضواء الكاسحة.. لم يهتم أحد بمعاناتهن.
وعندما حاولت صحفيتا نيويورك تايمز إقناعهن بالتحدث.. كانت المهمة عسيرة. الصمت كان سلاحهن للنجاة رغم المعاناة.

كانت المهمة الأصعب أمام توهي وكانتور هي إقناع الضحايا بالتحدث صراحة بأسمائهن والكشف عما تعرضن له حتى يمكن نشر ما جرى منسوباً إليهن. يلخص ذلك ملصق الفيلم الذي يظهر امرأة في الظلال مع سؤال حائر «هل أدون ما تقولين باسمك؟».
إنهن يردن مواصلة مشوارهن في الحياة، على الرغم من شعورهن الكاسح بالمهانة والمذلة. أغلبهن وقعن تسويات قانونية مجحفة تلزمهن بعدم الكلام عما جرى. تستخدم الصحيفتان كل الأسلحة المهنية للوصول للحقيقة في مقابلاتهن مع المصادر.. وكان أقوى سلاح - غير الدأب والمهنية العالية - هو الصمت.. نعم الصمت، حيث يصبح حسن الانصات مهارة أساسية مفيدة جداً في حضور المصدر، الذي يزداد توتره وارتباكه عندما يبقى الصحفي صامتاً منتظراً الرد على أسئلته الذكية التي تضع مصدره على حافة الاعتراف.وكانت جودي وكانتور بارعتان في ذلك. كان لزاما عليهما أيضاً الانصات طويلا لاعترافات الضحايا، في مقابلات تشبه جلسات العلاج النفسي. 
لكن وينستين احتمى بنفوذه الهائل وشبكة اتصالات واسعة ودائرة معارف مرعبة تشمل حتى سياسيين بارزين على كل المستويات، مع ترسانة مدرعة من المحامين والأنصار والمحاسيب الذين هبوا في البداية للدفاع عنه في مواجهة ضربات نيويورك تايمز. ومع ذلك استطاعت الصحافة الجيدة أن تسقطه من على العرش. حتى أن شقيقه بوب وينستاين اضطر في مقابلة مع الصحفيتين للاعتراف والاعتذار عن توصيفه لما كان يفعله شقيقه بأنه مجرد سوء سلوك.  بعض (المصادر - الضحايا) كانوا من كبار الممثلات في هوليوود، كن يخشين على مستقبلهن المهني. احتاج الأمر لكثير من المكالمات الهاتفية والمقابلات والطرق على الأبواب والرسائل البريدية لإقناعهن مع آخريات  بالكشف عما فعله وينستين، لبناء قضية متماسكة ضده.
لم تيأس الصحفيتان رغم تردد الضحايا ، وقدمتا درسا رائعا للصحفيين في المثابرة والاحترافية والعمل الجماعي.

المرأة في «الميديا» العربية.. «ضحية الترند»
يثير «هي قالت» - الكتاب والفيلم - قضايا عديدة يتعين على الإعلام العربي النظر فيها. في المقدمة منها أنه ربما كان ثمة حاجة ملحة إلى عدد أكبر من الصحفيات المحترفات. فبعض القضايا، ربما كانت الأقدر على طرحها، المرأة. ليس فقط لأنها الأكثر قدرة على التعبير عن بنات جنسها والإحساس بمعاناتهن.. لكن لأن ثمة تعقيدات ومشاكل، لا يمكن للمرأة في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة، أن تبوح بها إلا لامرأة مثلها. ولنا في سلسلة تحقيقات «نيويورك تايمز» عبرة.. فهل كان من الممكن أن تتحدث الضحايا لو كلفت «نيويورك تايمز» صحفيين - وليس صحفيتين - بمتابعة القصة ؟!
القضية برمتها، تكشف أيضاً إلى أي مدى يبدو الإعلام العربي مقصراً تجاه النساء. فمقارنة بسيطة بين معاناة المرأة المسكوت عنها في بعض مجتمعاتنا وبين ما ينشره الإعلام، تؤكد كيف أن النساء قد يعانين في صمت دون أن تمد لهن الصحافة يد العون. والقضايا المسكوت عنها كثيرة ومعقدة، وأغلبها لا تجد طريقها للميديا.. جديدة أو قديمة. فما ينشر عن المرأة يبدو أحياناً أقرب للإثارة أو التسلية، في أحسن الأحوال، وتطرح قضاياها، إما بطريقة نخبوية أو سطحية أقرب للتبسيط المخل.. مثل: ما هي أفضل عشرات مرطبات للبشرة. 
إذن المرأة بطريقة ما، قد تكون ضحية «مركبة» لأوضاع مجتمعية .. وأيضاً للتجاهل والاستخفاف أو حتى الاستغلال من جانب «الميديا» العربية التي تنسى في سعيها المحموم وراء «الترند» قضايا جوهرية، تخص النساء والأقليات وكل من هو على الهامش بالمجتمع.
طبعاً لا يمكن القول إن الصحفيين الرجال هم المسؤولون عن هذا التقصير، لكن علاج ذلك، يستلزم منح قضايا المرأة مساحة أكبر، بموضوعية من دون إثارة، ولو على حساب ما هو متاح للرياضة والفن والسياسة.. فالمجتمع بحاجة ماسة إلى أن يرى نصفه الآخر بدقة.. على الأقل لأن قضايا المرأة هي مرآة عاكسة لواقع مجتمعاتنا بكل تعقيداتها. لذلك قد تكون الصحافة الاستقصائية هل الحل، لأنها بديل حقيقي ومهم لصحافة «الفاست فود» وللجدل العقيم حول الصحافة التقليدية والميديا الجديدة.

متى يلتقي «الأوسكار» مع «بوليتزر»؟
1.لا يمكن أن تأخذها معك (1937)
دراما كوميدية رومانسية، فاز عنها موس هارت وجورج كوفمان بجائزة بوليتزر عام 1937، تحولت إلى فيلم نال بعض جوائز الأوسكار في العام التالي.

2. ذهب مع الريح (1939) 
حازت رواية مارغريت ميتشل جائزة بوليتزر عام 1936، لتصويرها العبودية والحياة في الجنوب الأميركي، ثم تحولت إلى فيلم نال بعض جوائز الأوسكار.

3- كل رجال الملك (1949) 
 رواية سياسية عن الجنوب الأميركي في الثلاثينيات، يلعب فيها مراسل صحفي دور رئيسي. نالت الرواية بوليتزر، ثم تحولت إلى فيلم بالعنوان نفسه عام 1949، فاز هو الآخر بجائزتي أوسكار. 

4- «توصيل الآنسة ديزي» (1989)
مسرحية شهيرة نالت عام 1988بوليتزر، ثم تم تحويلها إلى فيلم، عن العلاقة المتوترة بين سائق أسود يقود سيارة سيدة بيضاء. وفاز الفيلم بأوسكار أفضل ممثلة.
 
5. سبوتلايت (2015) 
يحكي الفيلم عن جهود «سبوتلايت»، وهي وحدة تحقيقات استقصائية في صحيفة بوسطن جلوب، تتركز مهامها منذ تأسيسها أوائل السبعينيات على كتابة تحقيقات موسعة بشأن إحدى القضايا ولو استغرق الأمر سنوات. في عام 2002 كتب هذا الفريق الصحفي سلسلة تحقيقات مذهلة عن فضائح ارتكبها قساوسة بحق أطفال في بوسطن. أحدثت التحقيقات ضجة كبرى وتغييرات واسعة في الكنيسة الكاثوليكية.
نال الفريق بوليتزر، وحصد الفيلم المأخوذ عن القصة عدة جوائز أوسكار.

أفضل 6 أفلام عن الصحافة
- المراسل الفرنسي (2021)
 يروي الفيلم ثلاث قصص، ويعيد إلى الحياة مجموعة من الحكايات التي نُشرت تحت العنوان نفسه «المراسل الفرنسي». الفيلم مستوحى من حب أندرسون للمجلة الأسبوعية «النيويوركر»، وتستند بعض الشخصيات والأحداث في الفيلم إلى شخصيات واقعية من المجلة.

- ذي بوست (2017) 
تدور أحداث الفيلم، وهو من إخراج ستيفن سبيلبرغ ومن إنتاجه، حول الفضيحة التي تفجرت خلال عهد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، بعد تسريب دراسة لـ«البنتاغون» توثق تفاصيل السياسة الأميركية في حرب فيتنام، وتكشف تورط أربعة رؤساء بإخفاء حقائق حول الحرب.

- سبوتلايت (2015)
حاز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم،  Spotlight هو تمثيل درامي بارز للجهود العنيدة للكتاب من بوسطن غلوب الذين يحققون في الكشف الصادم عن التحرش بالأطفال والتستر عليهم في الكنيسة الكاثوليكية.  

- نايت كراولر (2014)
عاطل منزوع الضمير يتحول إلى «صانع أخبار» في مدينة لوس أنجلوس، بعدما اكتشف بالمصادفة أن هناك مصورين يصورون الحوادث وحرائق المنازل والسرقات الليلية، ثم يبيعونها لمحطات التلفزة الأميركية التي تعرضها في نشرتها الصباحية.

- فورست | نيكسون (2008)
المذيع البريطاني الشهير ديفيد فورست سجل  29 ساعة من اللقاءات مع الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون بعد ثلاث سنوات من استقالته عقب فضيحة «ووتر جيبت»، وتم حذف مقاطع منها لتصبح مدة الحوار 5 ساعات، يدلي فيها نيكسون باعترافات مدوية.

- كل رجال الرئيس (1976) 
الكتاب الاستقصائي «كل رجال الرئيس» الذي يحمل الاسم نفسه، من تأليف الصحفيين بوب ودورد وكارل برنستين، صدر عام 1974. ويسلّط الفيلم الضوء على «فضيحة ووترغيت»، التي تسببت باستقالة ريتشارد نيكسون من رئاسة الولايات المتحدة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©