رمضان موسم الخيرات والبركات، نفحاته سبقت مقدمه، وهلاله يحمل معه بشائره، اللهم أهلّهُ علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، بيد أن رمضان هذا العام لن يكون كعادته، ففي جُلّ دول العالم، ولن تكون هناك موائد الإفطار الجماعية، ولن يجتمع الناس في المساجد للتراويح، لن يذهب الناس للعمرة كعادتهم، بسبب الحجر المنزلي.
رمضان هذا العام فيه خير كثير، لو علم به الناس لفرحوا، فالله تعالى يحب للعبد أن تكون له عبادة لا يعلمها إلا خالقه سبحانه، ستكتشف لذة المناجاة التي لا يراك فيها أحد إلا خالقك. وصدق ابن القيم الجوزية عندما قال في المدارج: «في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها الا الأنس به في خلوته»، وستعرف معني السكينة والرحمة التي وعد بها الله تعالى أهل الكهف عندما هربوا من قومهم «فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته»، سنتعلم كيف تتحول الخلوة إلى رحمة، وتنتقل من العزلة إلى الخلطة المثمرة، الدراسات أكدت فوائد الصيام على الأجسام، حتى أصبح الصيام علاجاً لكثير من الأمراض، وينصح به طوال العام على فترات متقطعة، بيد أن الهدف الأعلى من هذه العبادة يتلخص في التقوى وهي رقابة المولى، في الخلطة والخلوة «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»
رمضان هذا العام فرصة ذهبية للتباعد الاجتماعي والتقارب الذاتي أو الصلح مع الذات، أقترح عليك أن تستثمر هذه الجائحة، لأنها فرصة سانحة كي تسأل نفسك: كيف أستطيع أن أخرج من رمضان بنسخة فاخرة مني؟ أو بلغة ميسرة ماذا أفعل كي أكون أفضل؟ أنصحكم أن لا تحاولوا تقليد غيركم، أو أن تكونوا نسخة منهم، نحن بشر بيننا فروق فردية، خلقنا الله تعالى وفق منظومة تكمل بعضها بعضاً، فإن سعيت كي تكون مثل غيرك، اختلت تلك المنظومة واتعبت نفسك، ولن تستطيع أن تحقق مرادك.
رمضان هذا العام فرصة لمراجعة مسيرة حياتك وخط إنتاجك، ويبدأ الأمر بسؤال سهل، هل أنت إنسان سعيد؟ إن كانت الإجابة ليست ما تريد، فالوقت مناسب للبدء من جديد. الإنسان السعيد تتكامل لديه جوانب شخصيته الأساسية، وهي العقل والروح والجسد، راجع ما تفعله لصيانة تلك المكونات الثلاثة، وعندها ستعرف الإهمال الذي نال بعضها، ضع لنفسك برنامجاً علاجياً لتطوير ذلك الجزء المهمل من شخصيتك، عندها ستكون حققت أفضل شيء تسعى إليه وهي السعادة
رمضان هذا العام فرصة لمعرفة هل أنت تعيش في سكن أم في بيت؟ يتلخص الهدف من الحياة الزوجية في كلمتين: مودة ورحمة، وهما العنصران الفاعلان في تحويل البيت إلى سكن، حيث يشعر الإنسان بالاستقرار والسعادة، كيف تحول البيت المادي إلى سكن معنوي؟ سؤال أختم به مقالي، أعتذر لكم إن أزعجتكم بهذه التحديات، لكن القصد منها تطوير الذات، وكل عام وأنتم من الله أقرب، وإلى الناس أحب.
*أكاديمي إماراتي