تتخذ حكومة ولاية كيرالا بجنوب الهند العديد من الاحتياطات للسيطرة على مرض كورونا المستجد (كوفيدـ 19) والحد من انتشاره. وأصبحت الولاية أنموذجاً مثالياً يحتذى به العالم، وقد أعلنت الحكومة إغلاقها الكامل للولاية من 23 مارس حتى 31 مارس أولاً قبل إعلان الإغلاق الوطني الشامل من الحكومة المركزية الهندية، وتستمر في إغلاقها حتى 3 مايو المقبل حسب إعلان الحكومة الهندية، فلن تعمل وسائل النقل العام خلال هذه الفترة والتجمعات العامة مقيدة، وستبقى جميع المؤسسات التعليمية مغلقة حتى يتم القضاء على المرض.
وأذكر في أيام هذا الوباء العلاقات الودية الوطيدة بين الإمارات وولاية كيرالا، خصوصاً في أيام الفيضان الذي ضرب الولاية، حيث إن رئيس دولة الإمارات، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طالب بتشكيل لجنة وطنية عاجلة برئاسة هيئة الهلال الأحمر الإماراتي والجمعيات الإنسانية في الدولة، وبالاستعانة بأعيان الجالية الهندية، لإغاثة متضرري الفيضانات في ولاية كيرلا الهندية.
وتقدم رئيس الدولة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بخالص التعازي للشعب الهندي في ضحايا الفيضانات المؤسفة التي شهدتها ولاية كيرلا الهندية، وراح ضحيتها المئات، وتسببت في تهجير مئات الآلاف من السكان خلال السنة الماضية.
وفي السياق ذاته أود التذكير بما قاله كبير وزراء ولاية كيرالا «فيناراي فيجيان» في بيان له لوكالة أنباء الإمارات «وام» قبل أسبوع حيث ثمّن معاليه جهود حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في رعاية وحماية جالية ولايته المقيمة على أرضها وأكد «أن العلاقة بين ولاية كيرالا ودولة الإمارات تمتد إلى عدة عقود أي منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة بل قبل ذلك منذ قرون إذا وضعنا في عين الاعتبار العلاقات التجارية بين كيرالا وشبه الجزيرة العربية. ولا يمكننا نسيان رعاية ودعم قيادة دولة الإمارات الرشيدة والشعب الإماراتي أثناء الفيضانات التي اجتاحت الولاية عام 2018».
أصبح قطاع الصحة العامة بولاية كيرالا من أكثر القطاعات المشهورة في العالم مثل تعليمها العام، وفورا بعد تشخيص الحالات الأولي لكورونا أعلن رئيس وزراء كيرالا حزمة ضخمة لعلاج هذا الوباء ولاستعداد مراكز العلاج والمستشفيات العامة لمواجهته، فحصل كثير من المصابين بهذا الوباء على العناية الكاملة من قبل الحكومة، وتزداد حالة الشفاء من هذا المرض يوماً تلو يوم، وأدت الحكومة جميع مهامها من دون أي مساعدة ولا إمداد من المستشفيات التي تعمل في المجال الخاص. وتعد كيرلا أول ولاية هندية تسجل إصابة بفيروس كورونا في يناير الماضي حيث ظهرت ثلاث حالات إصابة بالفيروس لطلاب عائدين من مدينة ووهان الصينية (بؤرة تفشي الفيروس) فيما يصل عدد الوفيات جراء المرض في الولاية حالياً إلى اثنين فقط، ويخضع 139725 لمراقبة صارمة ويوجد 749 آخرون قيد الحجر الصحي في المستشفيات. فالولاية في المرتبة الأولي بالنسبة إلى باقي الولاية الهندية في نسبة شفاء المصابين، حيث إن المتوفيين هما اللذان تجاوزت أعمارهما 60 سنة.
في 15 مارس الماضي أطلقت حكومة ولاية كيرالا مبادرة أو حملة جديدة تسمى «كسر السلسلة»، تهدف إلى تثقيف الناس حول أهمية النظافة العامة والشخصية. في إطار هذه الحملة، قامت الحكومة التي يديرها «بيناراي ويجيان» بتركيب صنابير المياه في الأماكن العامة مثل بوابات الدخول والخروج لمحطات السكك الحديدية وتزويدها بزجاجات غسيل اليد، وقام بتنفيذ عدة أمور مهمة أخرى منها: منع دخول الأجانب إليها، وذلك بسبب المخاوف من تفشى الفيروس، وأن الهند، بتعدادها السكاني الضخم ومساحتها الجغرافية الشاسعة وحركة التنقل اليومية الهائلة بين أقاليمها ظلت محصنة طويلاً ضد الوباء بالأدوية الهندية المحلية، وأعلنت الهند خصوصاً بعض ولاياتها عن إغلاقها التام قبل أي بلد.
ويعيش في كيرالا 35 مليون نسمة و8.75 مليون منهم يمتلكون بطاقة التموين، ويعطون 15 كيلو غراما من الأرز مجاناً في فترة إغلاق العام، مع باقي اللوازم الغذائية. وهذه الولاية هي الولاية الوحيدة في الهند التي تفرض 28 يومًا من الحجر الصحي المنزلي أولاً لأولئك العائدين من البلدان المتأثرة بفيروس كورونا، في حين أن المبادئ التوجيهية الوطنية للهند هي 14 يومًا، ويُنصح الأشخاص الذين يطبقون الحجر الصحي في المنزل بالبقاء في منازلهم خلال فترة 28 يومًا، وإبلاغ سلطات الرعاية الصحية إذا ظهرت عليهم أعراض عدوى فيروس كورونا، واستعدت السلطات في كيرالا لاستقبال القادمين من الإمارات وباقي دول الخليج بعد أن انتهى الإغلاق، استعداداً تاماً بما في ذلك التسهيل على ملايين الهنود الذين يعملون في الخارج لتفعيل الحجر الصحي في أقرب مكان منهم.
الهند لاسيما ولاية كيرالا تمتلك إمكانات وقائية وعلاجية ولوجستية أفضل من باقي الولايات الهندية، واستعملت الحكومة جميع القطاعات مثل الدفاع المدني والرياضة والغابة لأداء الحجر الصحي بوجه كامل، ولم تمنح الحكومة الإجازة للأطباء وطواقم المستشفى خلال هذه الفترة، ومنعت طلب العلاج من كورونا في المستشفيات الخاصة، وخصصت المستشفياتِ الحكومية الكبيرة لهذا الغرض، ونفذت الحكومة حظر التجول في البلاد حتى لا يستطيع خمسة أشخاص الاجتماع في مكان واحد، وكل يوم يعلن كبير الوزراء «فينراي ويجايان» في مؤتمر صحفي، عن عدد المصابين الجدد بكوفيد، وهذا يمكن وقف المعلومات الخاطئة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه هي الخطوات المهمة من جانب حكومة ولاية كيرالا لكسر السلسلة.
بدأت حكومة كيرالا تخصيص قناة يوتيوب لإطلاع الجمهور على حالة انتشار فيروس كورونا في الولاية واتخاذ الاحتياطات اللازمة، واتخذ مئات من المراكز الهامة لاختبار الإصابة بفيروس كورونا، وفتح دور رعاية بالقرب من المطارات الدولية الأربعة في الولاية في أول الأمر، لاحتواء تفشي فيروس كورونا والسيطرة على حركة المسافرين ووضعهم في حجر صحي بشكل فعال.
«ويجايان» أمر بإغلاق المدارس والجامعات ومراكز التدريب حتى تم إغلاق وسائل النقل العام ولم يُسمح بالسفر من منطقة إلى أخرى إلا مع فحص شامل، وذلك لمنع انتشار الفيروس عن طريق الاتصال المباشر.
وتوجد في كيرالا 9 كليات طب حكومية ويعمل فيها 3199 طبيباً و4568 ممرضة والطواقم الطبية، وعدد المستشفيات الحكومية يبلغ 1232 مستشفى يعمل بها41494 من كوادر الخدمات الصحية سواء الأطباء والممرضات والموظفين والمدراء والصيادلة، وهذه الإحصائيات كلها بالإضافة إلى عشرات أضعاف جداول الأطباء والموظفين الذين يعملون في القطاع الخاص بالولاية.

*وزير الدراسات العليا ورعاية الأقليات والأوقاف بولاية كيرالا الهندية