نعيش في ظلال أزمة عالمية معقدة الجوانب، بدأت بفيروس لم يخطط العالم لاستقباله، لكن تداعياته جاوزت ضحاياه من المرضى، فقد سادت العالم فوضى اقتصادية وأزمات اجتماعية ونزاعات سياسية، ومما يسعد الإنسان في الإمارات أن يجد مبادرات بحثية في جوانب متعددة للتعامل مع الأزمة العالمية، فهناك أكثر من 58 دراسة وبحثاً علمياً لإيجاد حلول لهذه الأزمة، ولعل منها الكشف عن تسلسل الجينوم الخاص بفيروس كورونا المستجد في دولة الإمارات. والأبحاث في الجوانب الإنسانية لا تقل أهمية عن البحث العلمي، فقد قامت «دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي» بنشر نتائج أولية لاستبيان الحياة في ظل فيروس كورونا وقد شارك في البحث عينة من 32 ألف مواطن ومقيم في أبوظبي بهدف دراسة أنماط حياة المجتمع في الإمارة. بلا شك أن النتائج تظهر بعض الردود المتوقعة مثل أن 99% من العينة ابتعدوا عن الأماكن العامة، وأن 85% من المشاركين اتفقوا على أن الأزمة أسهمت في تقوية العلاقات الأسرية لأنهم يقضون وقتاً أطول مع أطفالهم، لكن كانت للدراسة نتائج إيجابية أخرى أن 70% من العينة ترغب في التطوع في مجال توزيع الاحتياجات الطبية ومساعدة كبار السن، 90% من المشاركين أكدوا معرفتهم بالإجراءات الوقائية المتعلقة بالفيروس وهذه نسبة متميزة ودليل على الوعي المجتمعي أما نسبة من أكدوا أن المسؤولين تعاملوا مع الأزمة بجدية واضحة فقد كانت 90%، وهناك ثقة بلغت نسبتها 93% بقدرة السلطات على التعامل مع الوضع الراهن، وعند سؤالهم عن قدرة وجاهزية المؤسسات الصحية للتعامل مع الوباء فكان نسبة الموافقين هي 88%، وأجمل ما في الاستبانة اتفاق أكثر من 97% من العينة على أن مواجهة الأزمة مسؤولية الجميع.
لا يشكك عاقل في جدوى هذه الدراسات لقياس الواقع ولمعرفة صدى المجتمع فيما نمر به، الدراسات التي تجرى على مستوى كل إمارة مهمة لتطوير الأداء على المستوى المحلي، لكنني أجزم بأهمية الدراسات المقارنة والتي تجرى لدراسة نفس الظاهرة على مستوى الوطن، عندها سنتلمس مواطن القوة والجوانب التي تحتاج إلى وقفة على المستوى المحلي والمستوى الوطني.
ومع تقديري لكل الجهات التي اجتهدت لإجراء دراسات مسحية حول الأزمة التي نمر بها، لكنني أؤكد على منهجية أساسية في الدراسات المسحية تعد من أبجدياتها، ألا وهي الحياد، وهذا يتطلب قيام مراكز متخصصة محايدة بإجراء هذه الأبحاث كي لا يشكك أحد في نتائجها. ولله الحمد والمنة، فإن الإمارات تحتضن العديد من مراكز البحث العلمي المعترف بها دولياً مثل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
إننا بحاجة ماسة لإجراء المزيد من الدراسات العلمية التي ترتبط بها الفيروس، كي نسهم في البحث العلمي العالمي، لكن ينبغي ألا نهمل الجوانب الأخرى المرتبطة بالمجتمع، ولعل التعليم يعد على رأس هذه الجوانب، كيف لا وقد دخلنا عالم التعليم الإلكتروني بنجاح لم يتوقعه أحد، كيف نطور هذه المنظومة؟ وما هي الدروس المتعلمة من هذه التجربة؟
*أكاديمي إماراتي