خلال فترات الشدائد والمصائب والمحن تتفجر الطاقاعات الإبداعية في وقت الضرورة كاستجابة للظروف والمواقف الصعبة. وديننا الحنيف حثّنا على الوقوف بقوة وصلابة بجانب أوطاننا ومجتمعاتنا، والدفاع عنها وعن مكتسباتها ومستقبلها، والالتزام بأوامر ولاة الأمر والحكام والمسؤولين، وهم يوجهون الفرد والمجتمع بقراراتهم العليا لمصلحة الوطن، وبهدف حمايته من الآفات والكوارث. والمساحة هنا لا تكفي لكي نبين ونظهر الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والصريحة التي حثت كلها على ذلك وأوصت به على نحو واضح ودقيق لا لبس ولا غموض فيه، لتجاوز المخاطر والمعاناة ولانتهاج النهج القويم والسليم بغية تخطي كل العقبات والمصائب والكوارث التي تمر بها الإنسانية في المرحلة الحالية الحرجة والدقيقة التي ابتلي بها العالم كله.
وقد علمتنا قيمنا العربية وأخلاقنا الأصيلة التي اكتسبنا منها الكثير من الصبر والحكمة، وأعطتنا دروساً ومواعظ كثيرة، أن نكون دائماً على قدر المسؤولية، لاسيما في وقت الشدة، وما يستدعيه من تلاحم وتشاور، كي نواجه الظروف الصعبة كالبنيان المرصوص، وكي نقف بصلابة وهمة خارقة في وجه عاديات الزمن.
والمسلم القوي خير من المسلم الضعيف، والرجل المؤمن بقضاء الله وقدرته ورحمته، يتدارك الأمور، ويقدر على دراستها ورصدها، وكذلك شخصية الإنسان العربي الشجاع الذي تعلم الكثير من الدروس والعبر مما مرّ على بلاده ومجتمعه من كوارث صعبة وهزات قوية وأزمات ومحن متعددة، سواء تعلق الأمر بكوارث طبيعية تمت بإرادة الخالق جل وعلا، أو كوارث مصطنعة حدثت بفعل الحروب والنزاعات والفتن والقلاقل والتطاحنات والمشاحنات التي عاشتها أجزاء من منطقتنا العربية.
لقد عاش آباؤنا وأجدادنا قصصاً صعبة في المراحل التي سبقت اكتشاف النفط وقيام الدول الوطنية المعاصرة، أثناء فترات الأوبئة والمجاعات والأمراض المعدية. كان ذلك قبل الطفرة الاقتصادية الهائلة التي أنعم الله بها علينا، وأكرمنا بها ربُّنا تعالى. تلك التجارب القاسية الصعبة الماضية جعلتنا نكون مؤمنين ومتفائلين ومستنفرين ومدركين، وبذلك فنحن نقف على أرض قوية وصلبة، مليئة بالأحداث والعبر والتجارب ومحطات التحول والتطور. ولدينا ذاكرة غنية بأحداث التاريخ ومشاهده وصوره على اختلافها، مليئة بالمواعظ والتجارب وصور الصبر والتحمل، كما سطّرها رجال أقوياء وشجعان تحملوا أوقاتاً وظروفاً أصعب من الظروف الحالية، ليتجاوزوا بأنفسهم كل الأزمات بأعاجيب مدهشة، ليعبروا نحو الطرف الآخر بسلام، وقد حدثونا عن تجاربهم المذهلة والملهمة في تلك الأيام العسيرة والقاسية.
والعالم اليوم كله يمر بأسوأ مرحلة تاريخية وأكثرها صعوبة وخطراً، مرحلة تهدد الإنسان ووجوده، وقد اتضح أنه لا يستطيع إيقاف التهديدات والمخاطر التي تواجهه إلا بعون الله الواحد الأحد.
لذلك تتطلب هذه المرحلة منا جميعاً، معشر أبناء الإنسانية، شحذ الهمم وربط الأحزمة والتحلي بالشجاعة ورباطة الجأش.. وعلى كل فرد منا أن يحاول القيام بواجبه المنوط به على أكمل وجه، واجبه الوطني والاجتماعي والإنساني، كلٌ من موقعه وحسب قدراته وإمكانياته وطبيعة عمله، لكي يثبت أنه عنصر فعال ومدرك ومؤثر وإيجابي في هذه المرحلة الصعبة والحرجة التي لا تستثني أحداً من مخاطرها وتداعياتها، ولا تسمح لأحد أن يقف موقف الضعيف والمتفرج أمام هذه الكارثة الكونية التي تهدد الجميع..!

*كاتب سعودي