يضع دستور دولة الإمارات العربية المتحدة حجر الأساس لإقامة نظام قضائي ذي أطر واسعة من الاستقلالية، وذلك تعزيزاً للجوانب المهمة المتعلقة بالحريات والحقوق والواجبات العامة، وفي إطار ذلك، يؤسس لسلطة قضائية اتحادية تتكوَّن من المحكمة الاتحادية العليا، وعدد من المحاكم الاتحادية ذات الدرجات الابتدائية والاستثنائية والتمييز والنقض.
ويشير الدستور إلى ثلاثة جوانب مهمة، هي: أولاً، أن جميع البشر متساوون أمام القانون، وإلى أنه لا يجب أن يحدث أي تمييز بين مواطني الاتحاد والمقيمين على أرضه بسبب الأصل، أو محل الإقامة، أو الانتماء الديني أو المذهبي، أو الطائفي أو المركز الاجتماعي، وثانياً، يؤكد الدستور أن العقوبة شخصية، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة، وإلى أن حق المتهم في توكيل محام عنه خلال المحاكمة مكفول من قبل القانون، وثالثاً، يكفل الدستور الحق لأي فرد في التقدم بالشكوى إلى الجهات المختصة، بما في ذلك الجهات القضائية، وذلك عندما تمتهن الحقوق والحريات الخاصة به المنصوص عليها في الدستور.
وبطبيعة الحال، المحكمة الاتحادية العليا هي أعلى سلطة قضائية في الاتحاد، ويوضح الدستور بأن قضاتها يتكونون من رئيس المحكمة، وأربعة قضاة آخرين، يعينون بمرسوم اتحادي يصدره رئيس الاتحاد، بعد مصادقة المجلس الأعلى للاتحاد عليه.
ويعتبر القُضاة في جميع المستويات مستقلين، ولا سلطات عليهم في أداء واجبهم لغير القانون وضمائرهم. وقبل مباشرة وظائفهم وواجباتهم يجب عليهم أداء القسم أمام رئيس الاتحاد، بحضور وزير العدل.
ورئيس المحكمة الاتحادية العليا وقضاتها لا يعزلون إبان توليهم القضاء، ولا تنتهي ولايتهم إلا لأسباب يحددها الدستور الاتحادي، ولم يحدث في تاريخ دولة الإمارات أن خرج أي رئيس محكمة اتحادية أو أحد قضاتها إلا وفقاً لما نص عليه دستور البلاد، وهي ميزة تكفل لرجال القضاء كرامتهم واستقلاليتهم وهيبتهم القضائية.
وتتبوأ المحكمة الاتحادية العليا دوراً مهماً جداً ضمن السلطة القضائية للدولة الاتحادية بسبب ما يناط بها من اختصاصات وظائف، فهي تفصل في المنازعات المختلفة التي قد تقع بين الإمارات المكونة للاتحاد، أو بين إمارة عضوة في الاتحاد أو أكثر وبين الحكومة الاتحادية، وهي التي تبحث في دستورية القوانين الاتحادية إذا ما تم الطعن فيها من قبل الإمارات الأعضاء لمخالفتها الدستور الاتحادي أو القوانين الاتحادية، وهي التي تبحث في دستورية القوانين والتشريعات واللوائح عموماً إذا ما أحيل إليها طلب بذلك من أية محكمة من محاكم البلاد أثناء نظرها في دعوى ما، وعلى المحكمة المذكورة أن تلتزم بقرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر بهذا الصدد، وهي تقوم بتفسير أحكام الدستور إذا ما طلب منها ذلك، ويعتبر تفسيرها ملزماً للجميع، وهي مناط بها مساءلة الوزراء وكبار موظفي الاتحاد المعنيين بمراسيم عما يقع منهم من أفعال في أداء وظائفهم الرسمية، وذلك بناء على طلب من المجلس الأعلى للاتحاد، ووفقاً للقانون، وهي تقوم بالفصل في الجرائم التي لها مساس مباشر بمصالح الاتحاد، كالجرائم المتعلقة بأمن الدولة، وجرائم تزوير المحررات والأختام الرسمية لإحدى السلطات الاتحادية، وجرائم تزييف العملة الوطنية، وهي تنظر في تنازع الاختصاص بين هيئة قضائية في إمارة ما، وهيئة قضائية في إمارة أخرى، وتنظم القواعد الخاصة بذلك بقانون اتحادي، وفي تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية المحلية في الإمارات الأعضاء، وهي التي تنظر في أية اختصاصات أخرى منصوص عليها في الدستور، أو يمكن أن تحال إليها بموجب قانون اتحادي.
نخلص من ذلك إلى أن دور السلطة القضائية في الإمارات مهم ومشهود ساعد كثيراً في استقرار الدولة والمجتمع، وفي نجاح الإمارات في البحث عن وإيجاد الصيغ القانونية والتشريعية التي تكفل حقوق الجميع وسلامتهم وكرامتهم في جو مدهش من تقبل الآخر والتعايش معه، وهو محفوظ الحق والكرامة، فنتج عن ذلك صرح شامخ سيكمل الخمسين عاماً من مسيرته المباركة خلال الشهور القليلة القادمة.
*كاتب إماراتي