منذ ظهور وباء كورونا المستجد نهاية العام الماضي في مدينة ووهان الصينية، أحاطت بهذا الفيروس العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام، والتي يمكن للإجابة عليها أن تعمق من فهمنا لديناميكيات الوباء الحالي، وأن توفر لنا سبلاً لوقف انتشاره وتحقيق الوقاية منه. وربما أول هذه الأسئلة، هو منشأ هذا الفيروس. فالاعتقاد الشائع أنه انتقل من أحد الحيوانات البرية التي كانت تباع في أحد الأسواق، وبالتحديد أحد أنواع الخفافيش، لكنه مجرد اعتقاد لا يوجد دليل على تأكيده أو نفيه. وفي المقابل تتطاير الاتهامات بين الصين وأميركا على أنه فيروس مُخلّق معملياً، حدث أن تسرَّب من أروقة أحد المعامل، أو تم نشره عمداً كجزء من حرب اقتصادية بيولوجية. آخر تلك الاتهامات خرج بها وزير الخارجية الأميركي في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام، مؤكداً تراكم الأدلة التي تضع الصين في قفص الاتهام، دون أن يذكر أياً من هذه الأدلة.
السؤال الآخر يتعلق بتوقيت ظهور الفيروس؛ فالاعتقاد السائد حالياً أنه ظهر في الصين منتصف ديسمبر الماضي، إلا أن كبير أطباء العناية المركزة في العاصمة الفرنسية باريس، خرج مؤخراً على وسائل الإعلام بخبر يفيد بأن الفيروس كان موجوداً في مستشفيات باريسية في ديسمبر الماضي، بناءً على إعادة فحص عينات مرضى كانوا يعانون من أعراض عدوى تنفسية، ولم يتمكن الأطباء حينها من تشخيص نوع الفيروس المسبب للعدوى. فهل انتقل الفيروس من الصين إلى فرنسا خلال بضعة أيام؟ أم أنه كان موجوداً قبل ديسمبر بأسابيع، أو ربما حتى شهور وسنوات، وما حدث منتصف ديسمبر كان طفرة وراثية زادت من قدرته على العدوى والانتقال من شخص إلى آخر، لينفجر في شكل وباء؟
وهناك أيضاً السؤال المتعلق بقدرة الأطفال على مقاومة العدوى بشكل أفضل من كبار السن، ومقارنة حتى بمن هم في منتصف العمر. فرغم أن الفيروس يصيب الأطفال أيضاً، فإن أجسامهم الصغيرة تتمكن من مقاومة مضاعفاته في الغالبية العظمى من الحالات. ويعتقد العلماء أن هذا الاختلاف يعود إلى عدد وتوزيع نوع من المستقبلات على جدار خلايا الحويصلات الهوائية في الرئة، والتي يستخدمها الفيروس للولوج إلى داخل الخلية والسيطرة عليها. ويرى آخرون أن السبب ربما يعود إلى ما يعرف بحالة النشاط والتدريب التي يتعرض لها جهاز المناعة (Trained Immunity)، والناتجة عن عدد ونوعية التطعيمات التي يتلقاها الأطفال في شهور وسنوات الطفولة المبكرة، بالإضافة إلى تعرضهم بمعدلات أعلى للأمراض التنفسية الأخرى خلال تلك الفترة، وهو ما يجعل جهاز المناعة لديهم في حالة استنفار وجاهزية أعلى.