من الواضح أن دولة الإمارات إذا ما شاءت أن تدخل مجال المنافسة على مضمار الذكاء الصناعي خلال السنوات المقبلة سيتعين عليها أن تتعاون مع أمم وشركات كثيرة لكي تستطيع أن تصل إلى أهدافها المرسومة واستراتيجياتها النهائية المخطط لها جيداً، وهي في الواقع محتاجة جداً إلى مثل هذا التعاون، خاصة في البدايات الأولى للولوج في معمعة ميدان الذكاء الصناعي.
لكن في الوقت نفسه، كغيرها من أمم الأرض الأخرى، قد يكون أمامها احتمال للتنافس، وعلى نفس القدر من التعاون مع أمم وشركات أخرى، وقد تكون تلك الأطراف هي نفسها التي تتعاون معها، وهو تنافس قد يكون بلا هوادة.
ولو طرحنا مثل هذه الفكرة على العاملين في الحقل الدبلوماسي والعلاقات الدولية والتعاون الدولي، خاصة إذا ما كانوا من المدارس التقليدية فسيخبروننا بأن هذا الأمر شبيه بالتناقض إن لم يكن هو التناقض بأم عينه. لكن من الثابت أنه في هذه المرحلة، وفي عالم المال والأعمال والتبادل التجاري بالتحديد، هذا الأمر هو الطبيعي وهو الذي من المفترض أن يسود.
هنا دعوني أشير إلى أن مجمع اللغة العربية، أو غيره من الجهات المعنية بخلق وترتيب المصطلحات لم يورد لنا مصطلحاً للحالة التي يتواجد فيها تعاون وتنافس بين جهتين سواء كانت دولة أم شركة أم فردين في نفس الوقت، فهذه حالة جديدة لا يمكن إلا أن تسود في عالم المصالح، سواء كانت متناسقة أم متنافسة.
ولتقريب الصورة للقارئ نشير إلى أن الشركات الكبرى في عالم الهواتف المحمولة تعطينا مثلاً جيداً في تنافسها وتعاونها في نفس الوقت، ولكي نبتعد عن التسمية المباشرة دعونا نعطي الأولى وهي من الولايات المتحدة الحرف أ.، ونعطي الثانية وهي من الصين مثلاً الحرف ب.
فعلى أرض الواقع أ و ب تتنافسان بشراسة في السوق العالمية على المشترين لهواتف كل منهما، خاصة الهواتف الذكية التي تحتوي على قدر كبير من مكونات الذكاء الصناعي. على الساحة الحقيقية المرتبطة بهذا المثال نلاحظ وجود حقيقتين، الأولى هي أن الشركة ب الصينية هي المتفوقة على مدى السنوات القليلة الماضية، وهي الأولى عالمياً في هذا المجال؛ والثانية هي أن الشركة ب هي المزود الأكبر لمحتويات الهواتف الذكية إلى الأميركية!!
التحكم في علاقة من هذا النوع، تنافسية وتعاونية في الوقت نفسه، يحتاج إلى يقظة وحذر، وإلى ذكاء حاد والكثير من الأحكام الصائبة عند تبنيها، وقد تكون هذه أمور صعبة للغاية في علاقات الدول ببعضها بعضاً، لكن وكما نعتقد إذا كان الدليل يظهر أن التكنولوجيا على سطح كوكب الأرض قد جعلت الدول في علاقاتها ببعضها ليس أمامها سوى خيارين لا ثالث لهما، وهما إما التعاون والتنسيق لحفظ العالم الذي نعيش فيه سالماً وقائماً، أو التناحر والتضاد إلى درجة تدمير كوكب الأرض عن بكرة أبيه في ظل وجود الذكاء الاصطناعي الذي يسير ويدير أسلحة الدمار الشامل، خاصة النووية منها، فإن هذه الدول مجتمعة على يقين بأن الخيار الأول هو خيارها لكي تعيش مع بعضها بشكل مشترك، ربما يكون هذا الأمر الأخير غير مريح لدى البعض، لكنه حتمي إذا ما أرادوا بديلاً للدمار المشترك.
مستقبل الإمارات على صعيد الذكاء الصناعي سيتم خلقه وإيجاده من قبل أهلها حكومة وشعباً، وسيعكس الخيارات التي يقومون بها مجتمعين والتحركات التي ينوون القيام بها سوياً.
ضمن هذه العملية، فإن الأمل معقود بأن ينظر أهل الإمارات في قرارة أنفسهم، وأن ينظر كل طرف منهم إلى الآخر لكي يقرروا القيمة ومقدار الحكمة التي يمكن لها أن تقودهم إلى تحقيق مصالحهم ومصالح وطنهم العليا، وعلى كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والتجارية والاستراتيجية والاجتماعية التي سيحققونها عند تبنيهم الولوج في سكة الذكاء الصناعي، مع التذكير بأن من يملك الذكاء الصناعي سيملك المستقبل.
*كاتب إماراتي